الأحد، ديسمبر 31، 2006

ضحية..أم شهيد

عباس الطرابيلي
الوفد



واضح أن أمريكا تريد تصاعد الصراعات والخلافات الطائفية في العراق.. وإلا ما كانت سلمت صدام حسين للعراقيين الشيعة لكي يذبحوه بينما يتم ذبح الأضحية في صبيحة يوم عيد »الأضحي«.. فقد تم تنفيذ الإعدام رغم أن القانون العراقي نفسه، ورغم كل الأعراف والتقاليد، توقف الإعدام في الأعياد.. وكأن أمريكا تريد أن تسكب مزيدا من البترول علي الخلافات العراقية ـ العراقية ـ لتزداد المشاكل اشتعالا..

والإعدام تم غير بعيد عن نهر دجلة الذي شهد الكثير من المآسي في التاريخ العراقي، التي كان أشهرها هجوم التتار علي بغداد واحتلالها وإنهاء عصر أكبر وأقوي دولة إسلامية في التاريخ.. وهو نفس النهر الذي سبح فيه صدام عدة مرات.. إحداها وهو يهرب مطاردا بعد اشتراكه في محاولة اغتيال الرئيس عبدالكريم قاسم عام 1959.. ثم عندما أراد أن يؤكد انه مازال فتيا، وقويا وقادرا علي عبور النهر الذي عاش أحداثا عظاما علي مر تاريخه.

** وما بين مولده في مدينة العوجة غرب بغداد يوم 28 أبريل 1937 وعودته إليها في كفنه يوم 30 ديسمبر 2006 بعد إعدامه في نفس هذا اليوم، فجرا.. عاش صدام حسين حياة غريبة.. فيها الكثير من الهبوط وفيها الكثير من الصعود.. وهو بحق نموذج بللشخصية التي تشارك في كل عمل سياسي، حتي وهو دون العشرين. ومشاركته في الأعمال العنيفة من أجل حزبه وطموحاته عام 59 عندما اشترك في محاولة اغتيال رئيس الجمهورية وحتي وهو لاجيء إلي القاهرة لمدة 4 سنوات شارك في تأسيس الخلايا البعثية في مدرسة الثانوية، وأيضا في كلية الحقوق بجامعة القاهرة.

وحتي بعد أن عاد إلي بغداد لينغمس في السياسة ليل نهار ويشارك في الانقلابات المتعددة إلي أن عاد البعث ليحكم بغداد عام 1968.

** ويبدأ نجم صدام بالصعود إلي الصف الأول باختياره نائبا للرئيس 1969.. ثم جاء يوم 16 يوليو بعد 10 أعوام ليصبح الرجل الأول رئيسا للجمهورية ورئيسا لمجلس قيادة الثورة وأمينا عاما لحزب البعث الحاكم ليصبح هو الحاكم الفرد الذي يسيطر علي كل شيء في العراق.

واللافت للنظر أن الرجل ما هدأ لحظة واحدة، فقد دخل في حروب وصراعات مع كل الجيران، كان أقساها حرب السنوات الثماني بين عامي 80 و1988 مع جارته الشرقية الكبري: إيران وهي التي دمرت كل شيء في العراق ماليا واقتصاديا وعسكريا.. ثم كانت غلطته الأشد فحشا عندما أراد أن يمنح قواته العائدة من الحرب فرصة النهب لكي ينهبوا الكويت بما فيها وما عليها.. وكانت بداية نهايته هو نفسه.

** ولن يعفو التاريخ عن صدام عندما زاد من الخلافات الطائفية بين الشيعة في الجنوب.. والسنة في الوسط وبعض الشمال.. ثم دخل في صراع عرقي مع الأكراد في الشمال.. وبسبب هذه السياسات الطائشة وقفت الشيعة ضده وضد حكمه.. وحتي لحظة إعدامه عندما سمعنا صوتا ـ هو مؤكد من أصوات الشيعة ـ في هذه اللحظة هاتفاً »إلي جهنم«.

وإذا كان بوش ـ الابن ـ قد وصف عملية الإعدام بأنها خطوة هامة علي طريق الديمقراطية.. فانه بذلك كان يشير إلي أن العراق »الجديد« يسير نحو مزيد من الدمار.. لأنه لا السنة يسمحون بأن تمضي عملية الإعدام دون عقاب.. ولا الشيعة سوف يتوقفون عن تأكيد سطوتهم علي العراق..

** ان عملية الإعدام تفوح منها رائحة الطائفية.. وكأن هناك من يصمم علي تأجيج نار الفتنة بين الشيعة والسنة بدليل بداية أعمال العنف السنية ضد الشيعة سواء في مدينتهم الكبري الكوفة أو في أحيائهم السكنية في بغداد نفسها.

وإذا كان صدام قد هتف بحياة فلسطين في الثواني الأخيرة وهو علي عتبة المشنقة.. فكأنما كان يريد أن يزيد المنطقة اشتعالا فالرجل ـ بما كان يملكه من جيش رهيب ـ لم يعط للقضية الفلسطينية حقها.. إلا كلاما.. وإلا عدة صواريخ أطلقها عليها خلال حرب الخليج الثانية.. فهل راح صدام شهيدا؟!

** نعترف أن الرجل له عداوات عديدة.. وقتل وذبح الألوف من شعبه ومن جيرانه.. ولكننا ـ للمرة الثانية ـ نرفض أن يعدم ساعة صلاة العيد.. أو أن يذبح لحظة الضحية الكبري.

** وسيظل صدام مثيرا للجدل لعشرات عديدة من السنين.. وهل مضي بطلا شهيدا.. أم راح ثمنا لما ارتكبت يداه

<<تعديلات..دستورية <<خطوة تنظيم

بقلم عاطف حزين
المصرى اليوم

من البلاهة أن نهلل للتعديلات الدستورية المزمع إجراؤها في مجلسي الشعب والشوري تلبية لرسالة الرئيس.. ومن الظلم أن نهيل عليها التراب ونعتبرها «ذرًا للرماد في العيون» أو نعتبرها زوبعة في فنجان.
تعالوا نحتكم إلي المنطق والموضوعية، وبعدها سنكتشف أمرين لا سبيل إلي تجاهلهما، الأول أن هذه المواد الدستورية المقترح تعديلها، تصب أولا في خانة النظام الحاكم، وتصب عاشرا ـ إن صبت ـ في خانة المواطن، والثاني أن «القليل» الذي منحه الرئيس في رسالته كثير جدا إذا ما قورن بفترة جمود امتدت لأكثر من ربع قرن، لم تشهد خلاله البلاد أي خطوات تعكس مجرد نيات لتحويل هذا الوطن من حكم شمولي لا يعتمد مبدأ تداول السلطة إلي حكم ديمقراطي يخضع فيه كل شئ لإرادة المواطن.
لكن التعاطي مع السياسة ـ علي رأي إخواننا اللبنانيين ـ مثل التعاطي مع الحب.. فكلاهما لا يعرف ولا يعترف بالشبع والارتواء، ولذلك يري كثيرون أن تعديل تلك المواد الدستورية المعلنة هو مجرد «خطوة تنظيم» وليس خطوة إلي الأمام. والفرق ـ لو تعلمون ـ عظيم. والمأزق ـ الحكومي والشعبي ـ أننا أمام معضلة لا تعترف ولا تحترم «من يرضي بقليله».. وإذا سألت أي مواطن «متنور» عن رأيه في التعديلات المرتقبة سيقول لك: أي كلام لا يمس المادة التي تحدد مدد حكم الرئيس هو «ضحك ع الدقون»، وهذا الرأي هو عين الصواب، فقد كنا نحلم بأن يقوم الرئيس بوضع مستقبل الوطن علي طريق يشبه الطرق التي تسير عليها أغلب شعوب العالم، فالمسألة ليست «توسيع» رقعة من يحق لهم الترشح أمام الرئيس، مادام سقوطهم مضموناً ومدموغاً ومصدقاً عليه، الأهم من ذلك هو تحديد فترات حكم الرئيس، لأن ذلك وحده هو الذي سيفتح باب الأمل أمام مشاركة شعبية في الحكم عن طريق الانتخابات، لا تقل لي إن الديمقراطية والمادة ٧٦ سمحوا لنا بالمفاضلة بين الرئيس مبارك ونعمان ونور والصباحي والأقصري و.. كل رؤساء الأحزاب.
الديمقراطية الحقيقية ستبدأ من محافظات مصر، فقد كنا نتمني أن ينص الدستور المعدل علي أن يصبح منصب المحافظ بالانتخاب مادمت تطالب بتطبيق اللامركزية، لقد بات منصب المحافظ هو وسام تقدير للضباط الأكفاء الذين أنهوا خدمتهم القانونية وباتت المجالس المحلية ديكورات لا تمارس إلا سلطة تسمية الشوارع في المحافظة، كنا نتمني أن ينص الدستورالمعدل علي ضرورة انتخاب نائب لرئيس الجمهورية مع انتخابات رئيس الجمهورية مادام أن النائب سيمارس اختصاصات الرئيس في سفره أو مرضه، كنا نتمني إلغاء وهم الخمسين في المية عمالاً وفلاحين مادمنا لم نعد دولة اشتراكية، ومادام العامل لم يعد عاملاً والفلاح لم يعد فلاحاً.
أحلام كثيرة كانت تراودنا لكنهم أعطوناً شيئاً آخر لغرض في نفس يعقوب، فقد كان من الأوفق إلغاء مجلس الشوري علي اعتباره ترفاً سياسياً لا يتحمله مجتمع مازال يتهجي حروف الديمقراطية، لكننا فوجئنا بإعطاء أدوار تشريعية له من المؤكد أنها ستتسبب في ربكة وازدواجية نحن في غني عنهما، فمنذ إنشاء ذلك المجلس وهو لا ينتج إلا أوراقاً ودراسات لا نستفيد منها تماماً مثل ما يحدث مع المجالس القومية المتخصصة، وأكاديمية البحث العلمي والمركز القومي للبحوث.
ربما يدرك أحفادنا ما نحلم به، ربما يرون تداول السلطات في وطنهم بعدما سمعنا نحن عنه ولم نمارسه، ربما يعيشون الديمقراطية التي تستوعب كل ألوان الطيف السياسي، ربما تتغير طريقة تفكيرهم حين يسود مبدأ أن الذي يختلف مع طريقة حكم ليس شاذاً أو إرهابياً أو متمرداً أو حاقداً، ربما يكون الاختلاف وتعدد الرأي مقدمات لثراء فكري وسياسي لمجتمع يتفاعل مع بعضه بعضاً دون أن تحتكر فئة منا رجاحة التفكير وعبقرية التخطيط ودقة التنفيذ.
هذا الوطن - كما يعلم الرئيس - مليء بالكفاءات والمواهب الفذة التي لا يطلب أحد خدمتها لأنها لا تنتمي إلي الحزب الوطني، وبالتالي ليسوا أعضاء في لجنة السياسات، وبالتالي يبحثون عن مكان آخر يمارسون فيه إنسانيتهم وعبقريتهم ويتركون لنا الحلم بأن نمارس حقوقنا في الشارع والحزب ومحل العمل مثلما نمارسها في بيوتنا.
مع ذلك أجدني ميالاً لأن أختم ما بدأت به ليس للتذكير، ولكن للتقرير: من البلاهة أن نهلل للتعديلات الدستورية المزمع إجراؤها ومن الظلم أن نهيل عليها التراب ونعتبرها ذراً للرماد في العيون، فليس أمامنا إلا انتظار المزيد، ولكن ليس بعد ربع قرن آخر.

الباكون على صدام

جمال بدوى
الوفد

قوبل نبأ إعلان صدام حسين بتنديد في العواصم الغربية، باستثناء أمريكا، ليس حبا في صدام، ولكن اعتراضا علي عقوبة الإعدام التي يطالبون بإلغائها، وهي العقبة التي تحول دون انضمام تركيا الي عضوية الاتحاد الأوروبي. ** أما في العالم العربي فقد انقسم الناس بين مبتهج وغاضب، وغالبية المبتهجين من الشيعة والأكراد وكل الطوائف التي أصيبت بالأذي في عهد صدام، أما غالبية المسلمين فقد ساءهم إعدام صدام في عيد الضحية،
وقد اختلطت هـذه الغضبة المشروعة بمشاعر البكاء علي صدام باعتباره البطل الذي قال »لا« للولايات المتحدة، والذي صعد إلي المشنقة وآخر كلماته »فلسطين عربية«(!!)
** وإذا كان علينا أن نحترم مشاعر الجميع، فإن الواجب يحتم علينا نزع الغشاوة عن أعين المشايعين لصدام، والذي نخدعتهم الشعارات التي رفعها طوال سنوات حكمه، فلم يحرر شبرا من أرض فلسطين، ولم يعد لاجئا فلسطينيا إلي وطنه، بل استخدم قضية فلسطين للمتاجرة والمزايدة والابتزاز واللعب بمشاعر العرب والمسلمين، واتخذ منها مبررا للاستبداد والطغيان وكبت الحريات، مثل كل الأنظمة العربية، ولكنه يتميز عنها بفداحة وحشيته، وارتكب من جرائم القمع والتدمير ما لم نسمع به إلا علي يد »هولاكو« (!!)
** ان الذين يريدون أن يجعلوا من قبر صدام مزارا مقدسا: عليهم أن يتذكروا أن صدام صنيعة أمريكية، استخدمته الولايات المتحدة في حرب إيران واحتلال الكويت، وجعلت منه »فزاعة« لتخويف الدول النفطية، حتي خضعت وفتحت أراضيها وبحارها وأجواءها للجيوش الأمريكية لتحميها من خطر صدام (!!)
** وعلي الذين يتباكون علي صدام حسين أن يذكروا المذابح الجماعية التي ارتكبها ضد الأكراد والشيعة في العراق، مما دفعهم إلي الانفصال عن دولة العراق، وتشكيل كنتونات هزيلة عرقية ومذهبية، لقد دق صدام إسفين التفكك وترك للأمريكان مهمة ترسيخه وتعميقه وهو الذي صب الزيت علي نار الطائفية، وجاء الأمريكان ليشعلوها حربا أهلية (!!)
** وعلي الذين يبكون علي صدام أن يتخلصوا من المشاعر العاطفية وينظروا إلي العراق نظرة واقعية بعد أن ضاع علي يد صدام حسين أولا، وتمزق علي أيدي الأمريكان ثانيا، فكل مايجري في العراق الآن وغدا، هو ثمرة خبيثة لعهد الإرهاب الأسود الذي فرضه صدام حسين علي هذا البلد العريق.

الجمعة، ديسمبر 29، 2006

ليوناردو دافنشى

ليوناردو دافنشي
خير من مثل شخصية المعلم النهضوي المثالي في وسط مدينة ميلانو، التي عاش فيها فترة طويلة، وخطط شوارعها ومؤسساتها وابنيتها ومجاريها وحدائقها هو ليوناردو دافنشي، الفنان العظيم الذي كان مهندساً ورجل علم وأبحاث في الذرة والطبيعة والنبات والحيوان.
من مفكراته الشخصية نستدل على آرائه العظيمة واكتشافاته المذهلة الرائدة؛ ومن مفكراته أيضاً نعرف أنه كان يكرس معظم وقته وجهده وعرقه للأبحاث والعلوم والاختراعات. ولكن، رغم كل ذلك، لم يبقَ لنا نحن من عطاءاته بعد قرون إلا روائعه الفنية ولوحاته الخالدة: "الموناليزا"، و"العشاء الأخير"، و"عذراء الصخور"، التي كان يرسمها على هامش اهتماماته العلمية، أو في تعبير آخر في "اللحظات المسروقة. يعد النموذج لناس ذلك العصر الذين وصفوا بأنهم عمالقة في قوة التفكير والعاطفة والطبع والشمولية والمعرفة، فقد كان هذا الرجل رساما وفيلسوفا ونحاتا ومعماريا وموسيقيا، وبرع في علم الرياضيات والهندسة، والبصريات، والجيولوجيا، والفلك، وعلم الحيوان، والميكانيك، وعلم التشريح انه ( رجل استيقظ ذات ليلة مبكرا جدا حين كان الجميع يغطون في نوم عميق) هكذا كتب عنه أحد مؤرخيه بعد عدة قرون من وفاته، انه الفنان الحكيم الذي أطال التحديق الى أعماق عصره وقاد مرحلة طويلة من مراحل عصر النهضة ليتخطى الزمن ويسبق حاضره.المعروف عن” ليوناردو ودافنشي “ انه كرس كل عبقريته للفن.. وهو عالم ومكتشف ومهندس بالرغم من كونه في بداية حياته كان رياضيا من النوع الفج وقد وصفه مربيه واستاذه في معهد” سمث سوينان “ ـ سيليفيو. أ. برويني ـ ((كان اقوى في مجال الملاحظة من المجال النظري)).
نشأتـــــــــــــــه ولد ليوناردو دا فنشي في بلدة فنشي عام 1452 ثم انتقل مع عائلته عام 1469 إلى فلورنسا لتحصيل العلم والمعرفة، فدرس الأدب والرياضيات والموسيقى والتصوير واللغة اللاتينية، وقد لاحظ والده سرعة تعلمه الفائقة فأدخله محترف الفنان فيروكيو. وهناك تعرف على الفنان ساندرو بوتشيللي وبيرو دجينو، واكتسب الأسس النظرية الكافية لبلورة اهتمامه في تآلف الفن والعلم وكيفية تهيئة العلم بالوسائل التقنية المتطورة،واستفاد من فلسفة أفلاطون التي كان أكاديميو فلورنسا من أنصارها.وقد شهدت سنوات دراسته "ما بين 1466 ـ 1476" ظهورمجموعة كاملة من الرسامين البارزين: بياتر ديللا فرنشيسكا ـ بوتشيللي ـ مونتاني وغيرهم. وقد أبدى دا فينشي اهتماماً كبيراً بالعلوم الطبيعية في فلورنسا بتأثير من كونها مركزاً كبيراً لصناعة النسيج وساعدت تجاربه وملاحظاته الشخصية على بلورة اهتماماته العلمية،تنبغي الإشارة إلى أنه قرأ كثيراً وتردد على مكتبات فلورنسا واستعار الكتب من أصدقائه فتعرف علي مؤلفات أرسطو وكليوميديس وبطليموس واسترابون وارخميدس واقليدس وفيروفيوس وبليتوس، وعلى علماء الشرق منهم ثابت بن قرة. وتوجه في الثلاثين من عمره إلى ميلانو حيث تعرف إلى بوتشيللي ورسم صور كتابه "حول تناسب الله" في عام 1496.والفترة الواقعة بين عامي (1500 ـ 1513) قضاها بين فلورنسا وميلان. وفي تلك الفترة رسم لوحته الشهيرة «موناليزا»وأما الفترة الكائنة بين( 1513 ـ 1519 )فقد قضاها في روما اولاً، ثم فرنسا ثانياً، وفيها مات.عاش دافنشي حياة عائلية غير مستقرة، وعايش ظروفاَ سياسية واجتماعية مضطربة ساهمت في تشتت أبحاثه وتوزعها بين العديد من المدن الإيطالية. تنقل بين فلورنسا وروما وميلانو والبندقية ولومبارديا وانتهت حياته في فرنسا بعد احتلال الجيوش الأجنبية لإيطاليا. لذلك نجد أن إرثه الفني الضخم موزع في مختلف متاحف العالم.
شخصيتــــــــــــه الكثير من الكتاب اهتمو بشخصيته لكونه فنان بالدرجة الأولى ويتمتع بالذوق الرفيع والإحساس العالي ، فقيل : كان جمال هيئته يتحدي أي إطراء‏، ففي أقل حركة يكمن جمال متناه‏,‏ وتسمح له موهبته الكاملة والقوية بحل جميع الصعوبات التي تتراءي إلي ذهنه‏.‏ واتحدت قوته البدنية ذات الاعتبار مع مهاراته وأضفت عليه دائما حماسة روحه‏,‏ نبلا ملكيا‏.‏ وامتدت شهرته‏,‏ بحيث نال تقديرا عاليا‏,‏ حتى أنه عرف مجدا أثناء حياته قد يكون أكثر مما بعد مماته‏.‏
لكن ليوناردو دافنشي لم يترك لوحات كثيرة لنلمس جمال وجهه بأنفسنا‏ .وأشهر تلك اللوحات‏,‏ ذلك البورترية الذي رسمه بالطبشور الأحمر في الفترة من‏1510‏ إلي ‏1512,‏ والبعض يحدده عام ‏1513‏ عندما فقد الكثير من شعر رأسه واشتعلت البقية الباقية منه شيبا بعدما أصابته الشيخوخة‏,‏ وهاجمت التجاعيد وجهه‏,‏ لذا لجأت مجلة ليكسبريس الفرنسية إلي فكرة مبتكرة للفت الأنظار وإضفاء بعض الجاذبية عليه‏,‏ في محاولة لاستعادة فتنته التي سمعنا عنها‏..‏ فاتخذت غلافها ذلك البورتريه الشهير وتم التركيز علي عينيه‏,‏ وتم استبدال منظر عينيه الذابلتين بعينين خضراوين بالغتي الصفاء.....قال مرة وهو يخاطب كل من ينظر الى أحد أعماله بكلمات شجاعة ومتغطرسة ( اذا وجدت لذة ما في عملي الذي تراه، فما عليك الا ان تتسلح بالانتباه، ذلك ان الاصرار الذي واصلت به عملي واكتشفت لما سوف تجده هنا، لا يملكه الا القلة من الناس، اذن انظروا ايها الناس الى العجائب التي يمكن اكتشافها في الطبيعة بمثل هذه الجهود).لقد عمل ليوناردو لحساب العديد من الأسر الحاكمة في فلورنسا وفينيسيا ( البندقية ) وفرنسا وميلانو، وقيل انه وصل الى تركيا وقام بعدة أعمال معمارية، لقد يئس ليوناردو في سنواته الاخيرة، وكان يشعر بالكآبة واقتراب ساعة الموت، وكان يعلم انه لا يستطيع ان ينهى ما بدأه، والاهم أنه لم يستطع أن يحقق الكثير من خططه وأفكاره التي شغلت عقله وقتا طويلاً، لقد كان رجلاً هاوياً وعبقرياً متعدد الجوانب، متعطشاً لمعرفة كل شيء، لقد كان نابغة اعترف به معاصروه وأحفادهم، وكانت لوحاته غامضة وساحرة كشخصيته التي مثلت عقل عالم رومانسي.ويري ليوناردو أن الرسم لا يجب أن يكتفي بنقل الحقيقة‏,‏ بل أن يذهب وراء المظاهر ليكشف عن روابط تدعم الانسجام في العالم‏.‏ وأهم لوحة لحركة الإضاءة تحمل اسم العذراء عند الصخور‏,‏ وأهم لوحة تحمل حركة الروح هي السيدة مع حيوان القاقم‏,‏ وقد نجح ليوناردو في تغيير نظرة مجتمعه للفن‏..‏ لذا اعتبره كبار الفنانين التشكيليين أعظمهم‏,‏ مثل ديلاكروا وآنجر‏,‏ وحملت عدة معاهد في العالم اسمه‏,‏ مثل الذي نجده في القاهرة وباريس‏,‏ وكعادة الغربيين عندما يجدون شخصا يتمتع بمواهب فائقة‏,‏ ولا ينقصه شيء‏,‏ يبحثون عن ثغرة يهاجمونه منها‏,‏ وأسهلها اتهامه بالشذوذ الجنسي‏,‏ فنجد وصفا له بميوله المثلية‏,‏ لكننا لا نجد دلائل حقيقية علي ذلك ‏.‏ وهو ليس موهوبا فقط في المجال الإبداعي ‏,‏ بل علي المستوي الشخصي أيضا‏,‏ فيصفونه بأنه رجل بسيط ونباتي ويستخدم يده اليسري‏,‏ وهي من علامات العبقرية‏.ومن الملاحظ وبشكل جدير بالذكر أن ليوناردو كان رجلاً حريصاً وغامضاً جداً فمعظم مخطوطاته وابتكاراته وتصمياته كان يقوم وبشكل مقصود بترك ثغرات أو بوضع اجزاء خاطئة تصميمياً تبين حرصه الشديد على سرية أعماله، وهذا ما يمكن شمله في لوحاته المحيرة والمبهمة .وكان فنانا غريب الأطوار ينبش العديد من الجثث ليدرس البنية التشريحية عند الإنسان، ويحتفظ بمذكرات يكتبها بطريقة غامضة يعاكس فيها اتجاه الكتابة. وكان يؤمن بأنه يمتلك علماً كيميائياً يحول الرصاص إلى ذهب، وكان يعتقد أنه قادر على غش الرب من خلال صنع إكسير يؤخر الموت.ومن الطريف أن دافنشي قام بتحرير ( 13) ألف مخطوط‏,‏ ولم يصلنا سوي ( ‏7‏ ) آلاف مخطوط فقط‏!‏ وآلت إلي تلميذه فرانشيسكو ميلزي‏,‏ وغالبيتها متعلقة بالفن التشكيلي‏,‏ ومن بعده ورثها ابنه عام‏1570,‏ وعندما سارع بفتح المخزن ليكتشف الكنز‏....؟! ‏ وجد أن الحصيلة غير مشجعة‏,‏ فالمخطوطات غير متساوية الأحجام ومن الصعب قراءتها‏,‏ لأن ليوناردو اعتاد كتابة اللاتينية من اليمين إلي اليسار‏!‏ لذا علي القاريء وضعها أمام المرآة حتي يتمكن من الفهم‏!!‏ من ناحية أخري لم يكن ليوناردو يهتم بتنسيق الصفحة فظهرت بشكل عشوائي‏ ، فما رأيكم بهذا الإنسان الغريب.........؟!!! كتب في مفكرته حينما شعر بقرب وفاته " حينما كنت اظن بأنني كنت اتعلم كيف اعيش لم اكن في الواقع اتعلم الا كيف اموت ".
إهتماماتـــــــــــــه و أعمالــــــــــــــه إن تعددية اهتمامات دافنشي العلمية والفنية، جعلت عبقريته الفذة تتصف بالتكامل الإبداعي، وأدت في الوقت نفسه إلى توزع قدراته واهتماماته وتجلت في تركه إرثاً فنياً ضخماً من الرسوم والتخطيطات والجداريات والنصب المنحوتة واللوحات التاريخية والدينية غير المنتهية. فقد كان دا فنشي يبدأ العمل في عمل فني ما ويتوقف عن إنجازه النهائي لانشغاله بأبحاثه العلمية أو النظرية أو اختباراته التطبيعية في علم الميكانيكا والجيولوجيا وعلم النبات والطير..... وكان ليوناردو دافنشي هو الذي أبدع أول نظرية تقليدية عن نقل المياه في النباتات عندما قال إن القطاع العرضي للجذع لابد أن يساوي مجموع القطاعات العرضية للأفرع. ويعرف عن دافنشي أيضا أنه طرق باب العلوم الفيزيقية.ففي المجال الفني فشأنه يختلف عن العلوم ، ذلك أنه ابتدع العديد من الأعمال في النحت وهندسة البناء ، وترك لنا ما يقارب أربعة آلاف رسم تمثل مجموعة على الآجر ، وقد اشتهرت أعماله الهندسية والفنية في إيطاليا وفرنسا. وبالنسبة لـــ الموسيقــى‏,‏ فقد اشتهر ليوناردو بعزفه علي القيثارة‏,‏ التي ارتبطت بأبوللو وأورفينوس في الأساطير الإغريقية‏,‏ وبالنبي داود عليه السلام في الكتاب المقدس‏.‏أما في مجال الرسم والتصوير بوجه خاص فهنالك الحصيلة الكبرى المتميزة و تكاد ابتكاراته وتطلعاته وأفكاره لا تعد ولا تحصي ، والروائع التي أنجزها جاءت دقيقة متقنة ، والمؤثرات فيها ذات تفنن بليغ ، عميق ، بحيث أنه يستحيل على أصحاب المدارس الحديثة فهم اتجاهاتها ومراميها البعيدة ، حتى لو جردت من المنظور الشامل لعصر النهضة ، لقد تمكن "فازاري" من توضيح هذا الجانب من عبقرية ليوناردو ، إذ أكد أن صاحبنا بما كان يحمل من مواضيع ، وأساليب في التركيب ، قد تجاوز حدود التقليد ، وتخطي المدارس الإيطالية في عصره إلى حد بعيد ,وقد وضع في مذكراته وفي كتابه "كتاب التصوير" مجمل آرائه ونظرياته حول تأثير الطبيعة على فن التصوير وعلاقة الضوء والظل.وكتب ليوناردو في هذا الصدد: "يجب أن ترسم المناظر الطبيعية بحيث تكون الأشجار مضاءة إلى النصف ومظللة إلى النصف. ولكن من الأفضل رسمها عندما تغطي السحب الشمس، لأن الأشجار تكون مضاءة بنور السماء الشامل وظل الأرض الشامل. وكلما كان جزء من أجزائها أقرب من وسط الشجرة، كان هذا الجزء داكناً".ويرى دا فنشي أن مهمة الرسام الأساسية تصوير السطح المستوي بحيث يجعل الجسم بارزاً ومختلفاً عن السطح، بمقدرته على توزيع الضوء والظل من الفاتح والقاتم
أما في تخطيطاته التشريحية فإن من الصعب أن تجد الحدود الفاصلة بين بحوثه الفنية ومسيرته العلمية فيها. لقد كان ليوناردو يعتقد بأن الفنان الجيد يجب أن يكون ملما بكل شيء، ولهذا نراه يخطط في كل مكان وكل شيء وفي كل الأوقات، حتى أصبح التخطيط لديه حاجة ضرورية كالأكل والشرب. وهو ينصح الفنانين الشباب قائلا:"بعد ما تدرس المنظور بشكل علمي وعميق، وتعرف بواسطته الموقع الصحيح لكل المرئيات، حينئذ أحمل معك دفترا للتخطيطات السريعة لكي تسجل انطباعاتك عن الناس والطبيعة، وأنت تقضي أوقاتك خارج البيت، فلاحظ الناس والمحيط، وخططهم وهم في حالة التحدث والجدال والضحك وحتى العراك، فالصور الفنية التي تشاهدها تتجمع لديك بالتدريج، بحيث تعجز ذاكرة أي فنان عن جمعها بدون الطريقة المذكورة، فيصبح لديك بعد فترة أرشيفا غنياً يكون لك خير مساعد وأستاذ ".
لقد اهتم ليوناردو بـــ الحصان اهتماماً كبيراً ومميزًا عن غيره من فناني عصر النهضة، لما لهذا الحيوان الجميل من دور تأريخي وأثر عميق في حياة عصر النهضة، ولقد كتب العديد من الشروحات والتعليقات حول تشريح الحصان ومكانة هذا الحيوان النبيل على انه جهاز عضوي حي، يحوى ما وراء جلده عوالم مجهولة ومتعددة. وقد رسم عشرات التخطيطات للشكل الخارجي لهذا الحيوان ومن جوانب متعددة، وخاصة الارداف والصدر، والأقدام الأمامية والخلفية، كما رصد حركات هذا الجسم بإيقاعات الخطوط المتكررة الدقيقة، لتمثل القراءة الاولى للعين البشرية، بمخيلتها وصلابتها وتوازنها وتناسبها، محكومة بمهارات مقتدرة سعى الفنان لتقديم فكرته عن كيفية توازن هذا الحيوان، وخلق التفتح في معرفته والتسيد عليه، ومثلت هذه المجموعة من التخطيطات الدراسات الاولى الأولية للوحته التي انجزها فيما بعد عن معركة (دانجارى) الشهيرة التي وقعت ما بين الفلورنسيين والميلانيين.
اما القسم الثاني من تخطيطاته عن الحصان فقد ارتبط مباشرة بالنسيج الداخلي للعضلات ذات الخطوط المستقيمة والمنحنية والمتركبة الواحدة على الاخرى بصناعة فنية تتيح تحليل الشكل الحقيقي لتركيب كتلة الجسم تحليلا يحوى على مزيدا من الفهم في تبلور الفراغات والامتلاءات المسطحة والمعقدة الاجزاء والمغلقة على نفسها داخل حدود الجسم، حيث يمثل الجلد بالنسبة له الحاجز ما بينها وبين الرؤية الانسانية.لقد عالج ليوناردو هذه النواحي التشريحية لعضلات هذا الحيوان وكأنها مشكلة تقتضي حلا يؤدى الى معرفة جديدة تدعم العمل الفني وترسى له تقاليد حرفية مهنية تساعد الرؤية الحية الخاصة بالعين والعقل لذلك الشكل الحقيقي لهذا الحيوان تحليلا يحوى مزيدا من الفهم العلمي. وكان يحلم من خلال دراساته هذه بإنجاز تمثال ضخم للحصان ينصب وسط مدينة ميلانو، وقد عمل في هذا المشروع سنوات طويلة يقال انها امتدت الى اكثر من 15 سنة، على ضوء طلب من دوق ميلانو (لودفيكو سفورتسا) الذي يطلق عليه لقب (الاسمر) الا انه لم يتمكن من إنهاء التمثال لانشغاله في تحصينات المدينة ضد اعدائها واختراعاته المستمرة للآلات الحربية الجديدة كالمدافع وقنابل البارود، وعوداته المستمرة الى إمارة فلورنسا لتنفيذ العديد من الخدمات العلمية والفنية لعائلة( آل مديشى ) الحاكمة التي اشتهرت برعايتها للفنون، وقد حاول تغطيته بمادة البرونز، الا انه لم يستطع اتمام هذه العملية المعقدة بسبب الحصار الذي فرضته القوات الفرنسية الغازية على المدينة، مهددة بالدخول بين لحظة وأخرى. وتذكر المصادر التاريخية، بان التمثال الطيني كان من الروعة التي جعلت الغزاة الفرنسيون الذين دخلوا ميلانو للاستيلاء عليها بعد ان دحروا جيشها في العاشر من (سبتمبر) من عام 1499 ان يصبوا نار حقدهم على التمثال الطيني الفخم ليدمروه لعدم تعاون ليوناردو معهم. وكان ليوناردو قد وضعه في الساحة الكبيرة التي تقابل قلعة الدوق( لودفيكو سفورتسا ) التي لاتزال قائمة حاليا وسط ميلانو.إن إلقاء نظرة على تخطيطات ليوناردو، تمنحنا استنتاجا يدل على العالم الواسع والعميق، فإنه درس الحياة والطبيعة بمعناها الكبير بواسطة تخطيطاته، فقد كان ليوناردو يخطط للموضوع المراد رسمه مجموعة من التخطيطات التمهيدية، ومن ثم يبدأ برسم أجزائه مستعينا في بعض الأحيان بالموديل. لقد كان ليوناردو، على النقيض من رفائيل وفرابارتو ولوميو وأندريا ديل سارتو، لايلجأ الى الموديل بسرعة، بل يستعين بذاكرته إلى أقصى الحدود الممكنة، ويحاول استلهام الحركات والوضعيات المطلوبة بمراقبة الموديل مباشرة، وكما قلنا بالرسم عن الموديل في بعض الأحيان. لقد كان ليوناردو يغير من التكوينات الفنية للوحاته عشرات المرات، ويبحث عن شكلها المتكامل بروح المثابرة العظيمة غير شاعر بالضجر والملل. إن تخطيطات ليوناردو تمثل وحدها عالما متنوعا وغنيا منتهى الغنى بمضامينها الإنسانية وأشكالها الرائعة ومعالجاتها المدهشة، إنها أفكار وملاحظات وتحليلات الفنان والعالم والباحث العظيم عن أسرار الناس والطبيعة. لقد منح ليوناردو آفاقا واسعة وأبعادا كبيرة لمفهوم فن التخطيط، بشكل لم يسبق له مثيل في تاريخ هذا الفن الذي رفعه إلى مصاف الفنون الخالدة.
الموناليزا ( الجيوكندا )مرت عشرات الأعوام على ظهور لوحة "الموناليزا" لـ"ليوناردو دافنشي" التي بهرت وأثارت حيرة العالم؛ حيث أصبحت المرأة التي تصورها اللوحة مثار جدل وإعجاب العالم، وأصبحت ابتسامتها سرا غامضا يسعى العلماء إلى تفسيره.لم يجذب فنان في العالم "في العصور السابقة واليوم" البشرية، ولم يشغلها كما جذب ليوناردو دا فنشي في بورتريه "الجيوكندا" أو "الموناليزا" في متحف اللوفر ـ باريس. فهذه اللوحة شغلت مؤرخي الفن ونقاده على مدار حوالي قرنين من الزمن، لفك سر بسمتها وسحر نظرتها التي تتوجه للرائي من كل الجهات، فكيفما نظرت إليه ومن أي زاوية كانت يخامرك إحساس بأنها ترنو إليك بلطف ونبل وسكينة داخلية، لم يعرف فن البورتريه العالمي مثيلاً لها منذ نشأته على يد الفراعنه وسحر جاذبية طقوسهم. وقد ظهرت مئات الدراسات والأبحاث وتقارير المختبرات العلمية الحديثة التي تحاول فك طلسم هذا السحر ومعرفة أسلوب ليوناردو والطريقة التي اتبعها في رسم الجيوكندا كما تحافظ على جاذبيتها السرية منذ خمسة قرون.كما أن اللوحة تخالف العرف الذي كانت عليه اللوحات في ذلك الوقت فلم تكن اللوحة موقعة ولا مؤرخة، كما لم تحمل أي معلومات عن موضوعها أو الشخص الذي تصوره كباقي اللوحات مما دفع بالكثير من العلماء والفنانين إلى وضع عشرات النظريات بشأن أصل اللوحة وموضوعها.
من هي تلك الشخصية.....؟! لقرون عديدة عرفت لوحة موناليزا باسم "جيوكاندا" نسبة للكشف الذي أعلن عنه بعض المتخصصين أن اللوحة لامرأة من عائلة "جيوكوندو". واقترح البعض أن تكون اللوحة لامرأة شهيرة في المجتمع الإيطالي آنذاك مثل "إيزابيلا ديستي" أو "سيليا جاليراني" . وذهب آخرون إلى أن تكون الصورة لإحدى فتيات الليل أو لوالدة "دافينشي". وأشارت إحدى النظريات الغريبة إلى أن اللوحة قد تكون صورة ساخرة رسمها "دافينشي" لنفسه نظرا لاحتمال تقارب ملامح المرأة في اللوحة وملامح "دافينشي" نفسه....!؟<
إلا أن صحيفة ديلي تلجراف البريطانية ذكرت أن مدرساً إيطالياً يدعى " جيسيب بالانتي" اكتشف مؤخرا أن لوحة الموناليزا الشهيرة كانت لزوجة أحد أصدقاء والد "دافنشي" وأما لخمسة أطفال، اثنتان منهم أصبحتا راهبتين فيما بعد. أو أنها زوجة قاضي قضاة في مدينة فلورنسا بايطاليا ويسمى" فرانسيسكو بارتو لوميو ديل جيوكندا " الذي زار ليوناردو دافنشي وطلب منه ان يرسم صورة لزوجته محاولا مواساتها وتعزيتها بوفاة ابنتها الصغيرة. وقد تردد الفنان أولا لكنه عدل عن رأيه حينما رآها.. اذ كانت في الرابعة والعشرين من العمر.. ذات جمال اعتيادي لا رشاقة لها، سوى ابتسامتها الآسرة.. لقد انبهر ـ دافنشي كثيرا بابتسامتها لذا اهتم بها اهتماما خاصا ولغرض تثبيتها على شفتي الموناليزا “ خلق جوا خاصا في مرسمه اذ احضر الموسيقيين وجعلهم يعزفون قطعا موسيقية من وضعه كما احضر مغنيين ومهرجين ليؤدوا ادوارهم حينما تكون ـ الموناليزا ـ في الوضع المناسب مدة سنة كاملة وبعدها كان” دافنشي “ مستعدا للبدء في العمل.لقد وقفت ـ الموناليزا ـ امام” دافنشي “ سنة كاملة، وبدأ يرسم مستعينا بخياله تسع سنوات اخرى حتى تمت اللوحة ويذكر أن ‏دافينشي تأثر جدا باللوحة واصطحبها معه في جميع اسفاره وعمل عليها بدقة وشغف ‏ ‏لفترات طويلة قبل ان تصبح على درجة عالية من الجودة التي ارادها لها. وقد أمضى المدرس الإيطالي 25 عاما وهو يجري أبحاثا بشأن هوية المرأة صاحبة الابتسامة الغامضة، واكتشف "بالانتي" بعد البحث العميق الذي أجراه في سجلات مدينة فلورنسا أن والد "ليوناردو دافينشي" سير "بييرو دافينشي" الذي كان يعمل موثقا عاما في دائرة العدل كان على علاقة وثيقة بسير "فرانشيسكو ديل جيوكوندو" تاجر الحرير.ويقول "بالانتي" إن "كل الدلائل تشير إلى أن والد "ليوناردو" وزوج "موناليزا" كانا على علاقة قوية قبل أن ترسم اللوحة. وتقول الصحيفة إن "ليزا جيرارديني" أو (موناليزا) كانت تبلغ من العمر 24 عاما وقت رسم اللوحة. وربما رسمها " ليوناردو" بناء على طلب من والده لتكون هدية لأصدقائه وهو أمر اعتاد "ليوناردو" عليه. ويقول "بالانتي" إنه عثر في سجلات المدينة على وثيقة زواج "ليزا" بـ"فرانشيسكو جيوكوندو" الذي كان يكبرها بنحو 14 عاما في عام 1495 كما عثر "بالانتي" على وصيته التي أعرب فيها عن حبه لزوجته المخلصة. وقد يبدو أن ابتسامة فتاة لوحة الموناليزا التي حيرت الكثيرين منذ مئات السنين وجدت أخيرا حلها النهائي عبر نظرية جديدة . وذكرت نتائج دراسة ميدانية صدرت نتائجها أخيرا في إيطاليا أن فتاة لوحة الموناليزا، أو الجيوكاندا، هي شابة أرستقراطية من مدينة فلورنسا. وقال جيوسيبي بالانتي الخبير الإيطالي في تاريخ الفن التشكيلي إن فتاة اللوحة الشهيرة التي رسمها ليوناردو دافنتشي بداية القرن السادس عشر تسمى "ليزا جيرارديني" وهي الزوجة الثانية للتاجر الفلورنسي الكبير "فرانتشيسكو ديل جيوكوندو".لقد قال عنها الماركيز دي سير (( ان الموناليزا هي الخلاصة ذاتها للانوثة وهي تعبر عن الصمت وروح الاغراء والرقة المتناهية والشهوانية المتعطشة )).وكتب احد مؤرخي الفن الايطالي ان ابتسامة الموناليزا تجعلها تبدو في آن واحد لطيفة ومتمردة، قاسية ورحيمة، وفية وغدارة.. ...!وأبرزت الدراسات تفاصيل إضافية عن عائلة فتاة "الموناليزا" حيث تم العثور على وثيقة تؤرخ لزواجها وأخرى لملكية أراض كانت في حوزتها، وأخرى تحمل عنوانا دقيقا حتى للشارع أو الزقاق الذي كانت تسكن فيه. ويقول الخبير بالانتي إن الفتاة سكنت طوال حياتها في فلورنسا وأن والد زوجها كان أحد أبرز الموثقين في المدينة في تلك المرحلة، وأن الرسام دي فينشي سكن المنطقة نفسها التي كانت تسكنها الفتاة المبتسمة. وحديثاًً قد يكون اكتشف العلماء السبب وراء ابتسامة الموناليزا الساحرة ...!‏,‏ فقد ذكر عدد من باحثي الآثار في جامعة برادفورد‏,‏ أن الابتسامة تخفي الأسنان القبيحة جدا لإيزابيلا‏,‏ الموديل الذي رسمه الفنان العظيم ليوناردو دافنشي وسماها موناليزا عذراء الصخور‏.‏ وقال العلماء إن إعادة فحص رفات جثة إيزابيلا أثبتت أنها كانت تستخدم مواد لصقل الأسنان في محاولة لإزالة الألوان الرديئة لأسنانها‏.‏ وقد أدت كثرة استخدام هذه المواد إلي وجود حفر بالغة السوء والقذارة في أسنانها‏.‏وخلص الباحثون إلي أنه لو تأكد أن إيزابيلا هي بالفعل موديل دافنشي‏,‏ فإن حالة أسنانها الرديئة تفسر أسباب هذه الابتسامة الغامضة‏.‏وجهة نظر أخرى ( فلسفية الفن ) من المؤكد أن الفن ليس نقلاً للواقع كما تفعل الكاميرا.. بل هو إعادة تركيب للأشياء.. هو إعادة اكتشاف للعلاقات التي تربط بين الشيء والشيء.. والجزء بالكل. فالعمل الفني مهما كان جنسه الإبداعي.. شعراً.. نثراً جميلاً.. أم تشكيلاً.. هو في حقيقته تخييلاً وليس نقلاً للواقع. والخيال هنا هو ذاك اللعب الذي ينشط لإحضار الغياب.. فهناك شيء يختفي ويختبيء خلف أقنعة النظرة التي اعتادت على رؤية سابقة معتادة ومكررة تعمل على إطفاء توهج تجليات المعنى الممكنة والمحمولة داخل الشيء بوصفه ظاهرة عرفناها من قبل ثم أطلقنا عليها هذا الاسم أو ذاك.. فإطلاق الاسم علي شىء يقتله لأنه يحدده ويثبته كمعنى لا يقبل الإزاحة أو التبديل والتبدل. وهكذا يسكن ويجمد معنى الأشياء القابل للإكتشاف المتجدد. إذن فلوحة «الموناليزا» تظل دائماً شكلاً إبداعياً متجدد المعنى. ، وكذلك لا يمكن إرجاعها لمرجعية فكرية أو جمالية خارجها، ولهذا يظل من الغريب المجانب للصواب أن نلزم التشكيل بمعاني مسبقة ، ولهذا يمكن القول بأن اللوحة والقصيدة والموسيقى الصافية، هي كائنات مكتفية بذاتها. وفي لوحة البورتريه.. وهي الأقرب للمضاهاة بالواقع الخارجي.. نجد أن العمل الفني يعطيها رؤية خاصة بالفنان.. فــ الموناليزا هنا هي امرأة خاصة بــ دافنشي وحده.. وهي موجودة في وجدان صانعها.. وليست موجودة في الواقع الجغرافي أو التاريخي.. إلا باعتبارها مرموزة ترمز لهذه المعطيات جغرافية وتاريخاً. وجوهاً كانت هذه البورتريهات أم اجساداً.. فهي مرموزات يصنعها خيال وتصورات مستمدة من الخيال والأفكار.. ولكنها عندما تصبح كائنات داخل إطار اللوحة فهي تكسب مدلولات تحدد شخصياتها وتكسب استقلاليتها وتفلت من أي تحديد مسبق. وعن عدد الزوار الذين يشاهدون اللوحة سنويا قالت سكاليريز ( المشرفة على قسم اللوحات في متحف اللوفر الفرنسي ) أن العدد وصل الى ‏ستة ملايين عام 2000 الا انه انخفض الى خمسة ملايين عام 2001 وعزت ذلك الى ‏ ‏تداعيات هجمات سبتمبر التي قللت عدد السائحين بشكل عام.
عذراء الصخـــــــــــــــــور أوعز إلى ليوناردو رسم صورة عذراء الصخور لتزين كنيسة في ميلان عام 1483.وقد رسم ليوناردو "عذراء الصخور" مرتين بمظهرين مختلفين. احداهما موجودة الآن في متحف اللوفر في باريس والأخرى موجودة في المتحف الوطني في لندن كانت علقت في كنيسة في عام 1508. ويختلف النقاد عن معنى صورة عذارء الصخور. فيقول بعضهم أنها تظهر العصمة والعفة المتكاملة للسيدة العذارء. فيما يقول البعض الآخر أنها تمثل اللحظة التي التقى فيها المسيح المولود بالأب يوحنا.
لقد جاءت لوحة "عذراء الصخور" تعبيراً ساطعاً عن نتائج دراسته لقوانين الطبيعة وظواهر توزيع الضوء والظل. وهذا ما تدل عليه السمات غير الاعتيادية والتعبيرية والسرية. وكذلك كون خطوط الصخور العجيبة التي تكون المغارة، لاتمرر تيار الضوء المستمر بل بعض أشعته التي تظهر في المركز وتترك أجزاءها المنفردة في الظل العميق، وتضيء الأجزاء الأخرى بالضوء خاص تتعرض مجموعة الأيدي للإضاءة الشديدة.كتب دافنشي : "بين الضوء الواقع والضوء المنعكس سيكون الجسم مظلماً " غامقا " جداً بل وسيبدو أعمق مما هو في الواقع بسبب مقارنته مع الضوء الواقع الذي يحده. وكتب أيضا ً: إذا كان الشخص الذي ترسم موجوداً في بيت مظلم وتراه من الخارج فإن ظلاله تكون غبراء Sfumato ".
العشـاء الأخيــر (العشاء السري )فوق جدارية كنيسة سانتا ماريا في ميلانو بإيطاليا رسم دافنشي لوحته الأسطورية "العشاء الأخير" التي ضمنها الكثير من الأسرار والرموز حول عقائده. وباءت بالفشل جميع محاولات فك الشفرات وتحليل الخطوط داخل اللوحة التي تعد أروع أعماله والتي أعدت بتكليف من أحد أهالي ميلانو لديرالإخوة الدومنيكان وقد كثرت الكتابة حول هذه اللوحة وتوالت عليها الفنون لاصلاح ما افسدته الأيام منها على أن أروع ما في العشاء الأخير هو القدرة التعبيرية التي أودعها ليوناردو دافنشي هذا العمل من خلال الأثر الذي تحدثه حركة المجموعة ومن خلال لحظة التعبير التي اختارها فأسلاف ليوناردو دافنشي اختاروا لهذا الموضوع اللحظة الساكنة التي يعكف فيها كل حواري على تلامذته في حين اختار ليوناردو دافنشي ذروة الحدث حين يشير السيد المسيح إلى أن أحدهم سيخونه ومن هنا تتميز لوحة ليوناردو دافنشي بالعنصر الدرامي فضلا عن اتسامها بوحدة التكوين وترابطه.
وفي لوحته الكبيرة " العشاء الأخير " أو ما يسمى أيضا ( بالعشاء السري ) ننتقل إلى عرض آراء بعض الباحثين المعاصرين ، والعلماء المخضرمين في هذه الأعمال ، فنلاحظ على سبيل المثال التحليل الذي توصل إليه ( فرويد ) حول شخصية ( ليوناردو دافنشيى ) حيث نسب إليه عقدة ( فقدان حب الأم وحنانها منذ عهد الطفولة) .و كتب ( م. راندلو ) أحد معاصري ليوناردويقول:(( لقد راقبت ليوناردو عن كثب وهو يعمل منذ الصباح الباكر حتى الغروب في رسم صورة " العشاء الأخير" ، فكان يقف على " السقالة " لتبلغ ريشته اللوحة في أعلى الجدار ، وكان ينسى نفسه وينسى أن يأكل ويشرب ، وهو منهمك في عمله بلا انقطاع ، ثم يتوقف عن العمل فجأة لمدة يومين أو ثلاثة أو أربعة أيام ويظل واقفا ساعات وساعات ، يطيل النظر إلى رسمه ، ويتأمل فيما بعد ، محاولا الحكم على ما صنع ، وكنت أراه أحيانا وهو يهرع على حين غرة عند الظهيرة ليعاود ما بدأ ، كأن إلهاما هبط عليه ليرتجل الرسم بعدئذ ارتجالا ! )).
أعمالـــــه الهندسيـــة أعلن متحف التاريخ والعلوم في فلورنسا بإيطاليا، أن الفنان الشهير ليوناردو دافنشي، أحد أبرز أساتذة الفن في عصر النهضة، هو مصمم أول سيارة تم تصنيعها، وذلك بناء على رسومات وجدت في مفكراته. ووصف باولو جالوزي، مدير المتحف الاكتشاف المميز بـ "المغامرة الكبيرة التي ساعدتنا على تطوير أدوات لإطلاع غير العارفين بعلم ليوناردو على فهم هذا الرسم المعقد."وأضاف هذه "السيارة" التي تبدو في الحقيقة أقرب الى العربة المقفلة التي يجرها حصان،ربما كان الهدف منها هو التملق للحصول على أشياء خاصة من الحكام، لكنها لا تزال أول "مركبة" ذاتية الدفع في العالم. وهذه السيارة التي تبدو في الحقيقة أقرب إلى العربة المقفلة التي يجرها حصان، هي بلا شك أول اختراع يكتشف في مخطوطات دافنشي الغامضة والتي تتضمن آلات طائرة وطائرات هليكوبتر وغواصات ودبابات عسكرية ودراجات وحتى تصميم بشكل طائرة الهيلوكبتر الحالية ...!.... ما رأيك بهذا المدفع العملاق ؟
وأوضح الخبراء أن ليوناردو، الذي ولد قرب فلورنسا عام 1452، صمّم السيارة لتسير بالزنبرك، بدلاً من الوقود. وكان جيرولامو كالفي، وهو أحد رواد دراسات دافنشي، لاحظ عام 1905 العلاقة بين تصميمات العالم المبدع وأول سيارات بمحركات بدأت تسير في الطرق. يذكر أن الكثير من أفكار دافنشي، الرسام الموهوب والنحات والمهندس والموسيقي، قد دُوّنت في مفكرات موجودة في المتاحف حاليا.
حينما كنت أظن بأنني كنت أتعلم كيف أعيش لم أكن في الواقع أتعلم إلا كيف أموت

النانو تكنولوجى

شهد التاريخ البشري تطورات علمية مستمرة كانت في أغلب حالاتها تمثل معادلة خطية ( معادلة خط مستقيم )، تتخللها قفزات عينية ( على محور العينات ) مفاجئة ، نهضت بالإمكانيات البشرية بجميع نواحيها الى أضعاف مضاعفة وفي زمن قياسي
فقد توالت على التكنولوجيا الالكترونية مثلاً عدة أسماء من الأجيال التقنية كان لكل جيل منها ثورته الخاصة وتطبيقاته المذهلة التي دفعت بالصناعة الإنسانية في كل مجالاتها ، بدأ كل منها باكتشاف بسيط مهد لقنبلة علمية ، وبصراحة لاأدري كم من القنابل العلمية يمكن أن تتحمل عقولنا ، لكن علينا التسليم بأننا ما زلنا في البدايات وما ينتظرنا أعظم . قال تعالى في محكم تنزيله (( وما أوتيتم من العلم إلا قليلا )) .نحن أعداء ما نجهل ، وأولى الكلمات الغريبة التي تتبادر الى أذهاننا تخيفنا ، وعند سماعنا لكلمة مثل ( تكنولوجيا النانو) يعتري أفكارنا الظلام من جهة، والذهول من سرعة تطور العلوم من جهة أخرى ، وعندما نبدأ في قراءة مقالة ما في هذا الموضوع ندخل في دوامة معقدة من الاكتشافات والاختراعات بعضها نصدقه وبعضها الآخر نحكم باستحالته ، وقد نتوقف في منتصف المقالة دون أن نكملها من شدة الذهول مما وصل اليه الإنسان وإلاما سيودي إليه طموحه اللامحدود ...!!!وبطريقة مبسطة نحاول هنا أن نقرأ في مفهوم هذه التكنولوجيا الدقيقة ونتلمس حقائقها الشيقة فعلا ، والتي تجعلنا نسرح بخيالنا ليس الى الفضاء كما هي العادة دائما ،وإنما بشكل معاكس تماما ، إنه الخيال الذي يشق طريقه الى أدق تفاصيل المادة ،والتي تعطيها خواصها ، إنه السفر الى ابعاد الذرات والجزيئات ، ونحاكي العلاقة بين هذه الأجسام المتناهية في الصغر ، ونحاول أن نغير في هذه العلاقة للحصول على مادة بمواصفات أخرى أكثر نفعا وفائدة ، وذلك باستخدام معدات وآلات وروبوتات من نفس مقاييس هذه الذرات ، إن هذا أبسط كلام يمكن أن نصف من خلاله تكنولوجيا النانو الحديثة . بعبارات أعقد قليلا ولإيضاح المفاهيم بشكل أفضل ، نقول أنه عند المستوى الدقيق (النانو)، نجد أن الخواص الطبيعية والكيميائية والبيولوجية تختلف جوهرياً، وغالبا بشكل غير متوقع عن تلك المواد الكبيرة الموازية لها بسبب أن خواص الكمية الميكانيكية للتفاعلات الذرية يتم التأثير عليها بواسطة التغيرات في المواد على المستوى الدقيق. وفي الواقع أنه من خلال تصنيع أجهزة طبقا لمعيار النانومتر من الممكن السيطرة على الخصائص الجوهرية للمواد بما في ذلك درجة الانصهار والخواص المغنطيسية وحتى اللون بدون تغير التركيب الكيميائي لها. وتتلخص فكرة استخدام تقنية النانو في إعادة ترتيب الذرات التي تتكون منها المواد في وضعها الصحيح، وكلما تغير الترتيب الذري للمادة كلما تغير الناتج منها إلى حد كبير. وبمعنى آخر فإنه يتم تصنيع المنتجات المصنعة من الذرات، وتعتمد خصائص هذه المنتجات على كيفية ترتيب هذه الذرات، فإذا قمنا بإعادة ترتيب الذرات في الفحم يمكننا الحصول على الماس، أما إذا قمنا بإعادة ترتيب الذرات في الرمل وأضفنا بعض العناصر القليلة يمكننا تصنيع رقائق الكمبيوتر. وإذا قمنا بإعادة ترتيب الذرات في الطين والماء والهواء يمكننا الحصول على البطاطس. وما يعكف عليه العلم الآن أن يغير طريقة الترتيب بناء على النانو، من مادة إلى أخرى، وبحل هذا اللغز فإن ما كان يحلم به العلماء قبل قرون بتحويل المعادن الرخيصة إلى ذهب سيكون ممكنا، لكن الواقع أن الذهب سيفقد قيمته في هذه الحالة !!.
ومن وجهة النظر الفيزيائية الالكترونية يعتبر النانوتكنولوجي الجيل الخامس الذي ظهر في عالم الإلكترونيات الذي يمكن تصنيف ثوراته التكنولوجية على أساس انها مرت بعدة أجيال شكلت أسباب الوود الحقيقي للنانو الذي عبر عن المرحلة الراهنة لها :*الجيل الأول ويتمثل في استخدام المصباح الإلكتروني ( Lamp) بما فيه التلفزيون .*الجيل الثاني ويتمثل في اكتشاف الترانزيستور ، وانتشار تطبيقاته الواسعة . *الجيل الثالث من الإلكترونيات ويتمثل في استخدام الدارات التكاملية (IC ، Integrate Circuit ) وهي عبارة عن قطعة صغيرة جداً شكلت ما تشكله تقنيات النانو في وقتنا الحالي من قفزة هامة في تطور وتقليل حجم الدارات الالكترونية فقد قامت باختزال حجم العديد من الأجهزة بل رفعت من كفاءتها وعددت من وظائفها .*الجيل الرابع ويتمثل في استخدام المعالجات الصغيرة( Microprocessor ) ، الذي أحدث ثورة هائلة في مجال الإلكترونيات بإنتاج الحاسبات الشخصية (Personal Computer) والرقائق الكومبيترية السيليكونية التي أحدثت تقدماً في العديد من المجالات العلمية والصناعية .*الجيل الخامس ويتمثل فيما صار يعرف باسم النانوتكنولوجي nano technology وهو المفهوم الذي نحاول توضيحه الآن ..تعني هذه العبارة حرفياً التقنيات المصنوعة بأصغر وحدة قياس للبعد استطاع الإنسان قياسها حتى الآن (النانو متر) ، أي التعامل مع أجسام ومعدات وآلات دقيقة جداً ذات أبعاد نانويه ،( ا متر= 1000.000.000 نانومتر ) .فالنانو هو أدق وحدة قياس مترية معروفة حتى الآن ، ويبلغ طوله واحد من بليون من المتر أي ما يعادل عشرة أضعاف وحدة القياس الذري المعروفة بالأنغستروم ، و حجم النانو أصغر بحوالي 80.000 مرة من قطر الشعرة ، وكلمة النانو تكنولوجي تستخدم أيضاً بمعنى أنها تقنية المواد المتناهية في الصغر أو التكنولوجيا المجهرية الدقيقة أوتكنولوجيا المنمنمات .سمها ما شئت .ويتعامل العلماء والمهندسون مع المادة في هذا المقياس على مستوى دقيق جدا أي على مستوى الذرات والجزيئيات النانونية، ليس لبناء أجهزة نانونية فحسب، بل لخلق مواد جديدة ذات ترتيبات وتجمعات وخصائص مبتكرة وغير موجودة طبيعيا، تفتح آفاقا جديدة في العلوم والتكنولوجيا، وتؤدي الى تطبيقات حياتية مختلفة، بالاضافة الى امكانية تحريك الذرات والجزيئيات بدقة لاحداث تفاعلات كيماوية، مما يؤدي الى تصنيع أو تعديل بعض الجزيئيات الاحيائية المهمة. وتتمثل قاعدة التقنيات النانوية العلمية في مسألتين، الأولى بناء المواد بدقة من لبنات صغيرة، والحرص على مرحلة الصغر يؤدي الى مادة خالية من الشوائب ومستوى أعلى جدا من الجودة والتشغيل. والثانية أن خصائص المواد قد تتغير بصورة مدهشة عندما تتجزأ الى قطع أصغر وأصغر، وخصوصا عند الوصول الى مقياس النانو أو أقل، عندها قد تبدأ الحبيبات النانونية اظهار خصائص غير متوقعة ولم تعرف من قبل أى غير موجودة في خصائص المادة الأم.
التصورات والتطبيقات لتكنولوجيا النانو * المصانع الدقيقة ستقوم بصنع كل شيء، من الأثاث إلى المركبات الصاروخية بجودة تتفوق على كل ما صنع قبلا وبتكلفة ضئيلة جدا ، وستقوم كومبيوترات دقيقة بالاندماج مباشرة مع دماغ الإنسان مضيفة بالتالي ذكاء الى ذكائه الطبيعي بنسبة كبيرة. وستسبح آلات دقيقة في الدورة الدموية مزيلة المرض والضعف. واعلن العديد من افراد الجمهور المستمعين الى المحاضرة أنه يؤمن بحدوث هذه التطويرات أثناء حياتهم ...هذا ما يفكر به علماء اليوم وقد استطاعوا تحقيق بعض تلك التي كانت أوهام سابقا ، وهم متفائلون جدا في قدرتهم للوصول الى المزيد المزيد ، ولاأشك صراحة في قدرة عقولنا التي وهبنا الله فما من شك بأن ما نقوم به اليوم أذهل آباءنا واجدادنا ونحن على يقين بأن ماسيقوم به أبناءنا سيسحق الكثير الكثير من مفاهيمنا وخاصة أن مسيرة التطور تتسارع بشكل أسي وبسرعة هائلة جعلتنا غير قادرين حتى على استيعابها ...!!
يمكن باستخدام هذه التقنية أن يتمّ «تفصيل» مركّبات من ذرّات معيّنة انتقائيّا باليد. وسيصبح بالإمكان تكوين مركبات بأي مواصفات يريدها الشخص، أو إيجاد مركّبات بمواصفات ليست موجودة في الطبيعة، وبكلّ المقاييس من المستوى الذري إلى مستوى ناطحات السحاب، وبالتالي إيجاد عمليّات تصنيعيّة زهيدة الثمن وعالية الأداء، مما سيمهّد الأساس لمستقبل مزدهر لتقنيّة المعلمومات.الحجم له اعتبار في عالم الحاسب الآلي والإلكترونيّات، فالحاسب الخارق اليوم الموجود في مراكز الأبحاث والتطوير أو في الجامعات الكبيرة سيكون مجرّد ساعة يد في المستقبل القريب. والمباني والآلات ستستطيع إرسال إشارات لاسلكيّة عندما تحتاج إلى صيانة، أو قد تستطيع إصلاح نفسها. اما ثيابنا فستأخذ بيانات عن صحتنا وتنبهنا لعوامل بيئيّة مضرّة وستنظّف نفسها من الأوساخ والروائح دون أيّ مساعدة وستقوم بتدفئة أو تبريد الجسم حسب درجة الحرارة الخارجيّة. وسيمكن صناعة غرفة عملّيات كاملة في كبسولة (عبوة) صغيرة، يتمّ وضعها داخل جسم المريض لتقوم بتنفيذ برنامج العمليّة الذي برمجه الطبيب فيها حسب حالة المريض (من الممكن جدّا أن يحتاج الخيّاط أو المهندس أو الطبيب لأخذ دروس في برمجة هذه التقنيّات). مجالات لا تُعدّ ولا تُحصى تدخل فيها النانوتكنولوجيا، وستغيّر حياتنا عشرات الألوف من المرّات التي استطاع فيها الإنسان تغيير حياته منذ بدء الزمان وحتّى يومنا هذا. وسيصبح محتوى أكثر أفلام الخيال العلميّ خصوبة الآن، مجرّد تخيّلات بسيطة لطفل صغير.
وكي ننتقل قليلا الى الواقع ، لابد من الحديث عن نتائج ،وعن الثمار الأولية لهذه التكنولوجيا ، فنتائج الجهود العلمية المدعومة بالأموال الطائلة ظهرت في منتجات مثل سراويل حيكت من الألياف الدقيقة، والتي تقاوم البقع، وكرات تنس تحتفظ بمرونتها وثنائي الصمام منتج للضوء بشكل أكثر كفاءة. وفي الأفق توجد كومبيوترات أصغر وأسرع مصنوعة من أنابيب كربونية ذرية الحجم، وأسلاك فائقة القوة تستخدم لبناء مصعد للفضاء وأنظمة أفضل لحقن العقاقير وغيرها.فقد نجح بول أليفيساتوس وزملاؤه العلماء في جامعة كاليفورنيا في بركلي، في صنع أقفاص صغيرة غير مرئية بحجم الذرات، حيث يحتوي كل فراغ على ذرتي كوبالت وأوكسجين مترابطتين بعضهما ببعض مع بلورة متكاملة من البلاتينيوم وهو يخشخش في حركته داخل هذه الأقفاص، كانوا يعرفون أنهم قد أبدعوا مادة كيميائية جديدة تماما.وكانت تلك الأقفاص صغيرة جدا، بحيث أن عشرات الألوف منها بالكاد تستطيع أن يبلغ عرضها عرض شعرة إنسان. وبإمكانها أن تحث على التفاعلات الكيميائية التي لولاها لما كان ممكنا أن تحدث، وهي آخر ما تم إنتاجه من مادة جديدة تأتي من الحقل الجديد المعروف باسم «النانوتكنولوجيا» (تكنولوجيا المواد المتناهية في الصغر)،
ومن تجربته الخاصه ، العالم العربي الأميركي منير نايفة يقول : " ما اكتشفناه في مختبري في جامعة الينوي الأميركية، انه اذا ما أخذنا مادة السيليكون المعتمة جدا جدا والتي هي المكون الرئيسي للأرض والرمال وكل الأجسام في الكون، وعملنا منها حبيبة بقطر واحد نانو، فنصبح نراها تتألق بلون أزرق شديد جدا تحت تأثير الضوء البنفسجي، وباللغة العامية وكأننا حولنا الرمل الى مادة متألقة " .
وتعد التطبيقات الطبية لتكنولوجيا النانو من أهم التطبيقات الواعدة على الإطلاق، فمن المحتمل الحصول على مركبات نانوية تدخل إلى جسم الإنسان وترصد مواقع الأمراض وتحقن الأدوية وتأمر الخلايا بإفراز الهرمونات المناسبة وترمم الأنسجة .كما يمكن لهذه المركبات الذكية أن تحقن الأنسولين داخل الخلايا بالجرعات المناسبة أوتدخل إلى الخلايا السرطانية لتفجرها من الداخل و تدعى عندئذ بالقنابل المنمنمة والتي استطاعت أن تطيل عمر الفئران من 43 يوم إلى 300 يوم .
الدكتور نانو يعالج كريات الدم الحمراء كما يتصوره العلماء-أما أجهزة الإستشعار النانوية فباستطاعها أن تزرع في الدماغ لتمكن المصاب بالشلل الرباعي من السير. كما تم الحصول على طاقم أسنان سيليكوني لايزيد حجمه عن حجم الخلية يستطيع ابتلاع الكريات الحمراء وقضمها ثم اطلاقها مجدداً إلى الدم بمعدل عشر خلايا في الثانية ، ويمكن لطاقم الأسنان هذا أن يساعد على إدخال الأدوية أو الجينات إلى داخل الخلايا وبالتالي يعزز العلاج الخلوي المركز للكثير من الأمراض . ويتوقع المراقبون أن تؤدي هذه التكنولوجيا الجديدة إلى ثورة غير مسبوقة للتصدي للكائنات الدقيقة حيث يعتمد النانو بيوتكس( Nanobiothics) وهو البديل الجديد للأنتبيوتيك على الثقب الميكانيكي للخلايا الممرضة (الجراثيم أو الفيروسات ).فالنانوبيوتكس هو ببتيد حلقي ذاتي التجمع ، ومُخَلّق صنعياً، من الممكن له أن يتجمع على هيئة أنابيب ( نانوتيوب = Nanotubes) أو دبابيس نانوية متناهية في الصغر. فعند دخول ملايين من هذه الأنابيب اللزجة والمكونة من الببتيدات الحلقية داخل الجذر الهلامي للبكتريا فإنها تنجذب كيميائياً إلى بعضها البعض ، و تجمع نفسها إلى أنابيب طويلة متنامية ومتجمعة ذاتياً تقوم بثقب الغشاء الخلوي ، وتعمل مجموعات الأنابيب المتجاورة هذه على فتح مسام أكبر في جدار الخلية البكتيرية ، وخلال دقائق معدودة تموت الخلية البكتيرية نتيجة لتشتيت الجهد الكهربائي الخارجي لغشائها, وهذا ما ينهي حياة الخلية عملياً .وقد أظهرت هذه التقنية نجاحاً ملحوظاً في القضاء على كل من الجراثيم العنقودية الذهبية المعندة و عصيات القيح الأزرق وغيرها الكثير ، ويتوقع العلماء أن تنجح هذه التقنية النانوية في القضاء على الفطريات أيضاً .
ومن هنا لم تعد تقنيات النانو Nanotechnology (التقنيات المتناهية في الصغر)، مجرد كلام غريب أو جمل غامضة وليست تطبيقاتها مجرد أحلام كنا نمحوها بعد أن نصحو ولكنها حقيقة ستحاكينا في كل حركة نقوم بها مستقبلا وكل مشهد يحاكي عقولنا ، وسيكون هنالك ما نحلم به أعمق وأعقد مما يمكن تصوره اليوم . والله أعلم

الصومال.. ومائدة اللئام!

عباس الطرابيلي

الوفد


وسط الهموم المصرية اليومية والمتجددة.. وأحلام وطنية بدستور أفضل يصبح حكماً لنا بين الدولة والنظام من جهة والأمة كلها من جهة أخري.. لايمكن أن ننسي واجبات مصر الاقليمية، خصوصاً تلك التي تدخل ضمن نطاق الأمن القومي المصري.. حقيقة مصر مشغولة بهمومها في العراق ولبنان وفلسطين.. وعيونها علي مايجري في إيران.. وقلبها ينفطر دماً علي مصير السودان ولكن كل هذا يجب ألا ينسيها مايحدث من مؤامرة كبري في الصومال، التي هي أقدم دولة ترتبط معها مصر بعلاقات حميمة منذ العصر الفرعوني.

وإذا كنا نهتم بالعراق وسوريا علي أنها من خط الدفاع الأول عن حدود مصر الأمنية في الشمال.. فأن الصومال - بلا شك- هي بوابة الأمان الجنوبية في خط الأمن القومي الجنوبي، الذي هو باب المندب، والمدخل الجنوبي للبحر الأحمر، أي القرن الأفريقي.. ثم أيضا لأنها البوابة الاقرب إلي منابع النيل الاثيوبية والسودانية.

** ولا أحد ينكر دور مصر الاقليمي في الصومال حتي قبل أن يستقل اذ كان لمصر مندوبها في اللجنة الدولية التي اشرفت علي توحيد واستقلال الصومال، ولن ننسي شهيدنا هناك كمال الدين صلاح الذي راح ضحية صراع القبائل والمصالح في الصومال قبيل الاستقلال.

ورغم حكم محمد سياد بري الاستبدادي للصومال الا أنه استطاع أن يقود سفينة البلاد في مرحلة »التعريب« والاندماج وسط الاسرة العربية.. وأن يقف في وجه المطامع الاقليمية، خصوصاً من الجارة الكبري أثيوبيا التي احتلت أقليم أوجادين الصومالي منذ أوائل القرن العشرين.. وأن يتصدي لأحلام الاستعماريين القدامي: إيطاليا وبريطانيا وفرنسا.. والاستعماريين الجدد في واشنطون..

** منذ انهار حكم سياد بري في الصومال وهو يعاني من مشاكل عرقية رهيبة وخلافات قبلية أشد رهبة حقيقة هناك دول مجاورة تعاني من مثل هذه الصراعات، إلا أن ضعف القبضة المركزية يشجع أصحاب النعرات الاقليمية علي الانطلاق نحو تحويل البلاد إلي إمارات أو دويلات لمصلحتهم.. وليس لمصلحة الوطن.

ومن المؤكد أن الخلافات المحلية القبلية التي فجرت الحرب الاهلية منذ عام 1991 شجعت أيضاً المطامع الاقليمية، ليس لتثبيت المكاسب التي حصلوا عليها -مثل أثيوبيا- منذ سنوات، ولكن لكي تضيف المزيد من المكاسب علي حساب الشعب الصومالي.

** ونعتقد أنه في الوقت الذي تقرأ فيه هذا المقال -عزيزي القارئ- تكون العاصمة المركزية للصومال قد أصبحت تحت سيطرة القوات الاثيوبية، التي تدعم قوات الحكومة الانتقالية وهذا يحدث للمرة الأولي في تاريخ الصومال المستقل.

وحتي تتضح المطامع الاقليمية والدولية في الصومال نقول أن فشل مشروع القرار القطري في مجلس الأمن بوقف اطلاق النار والدعوة إلي انسحاب القوات الاجنبية من الصومال، يعني الكثير بالنسبة لهذا الوطن الضائع بين مصالح المتصارعين المحليين.. ومطامع الجيران..

** ومع تصاعد العمليات العسكرية يتزايد اندفاع اللاجئين الصوماليين -بحثا عن الأمان- إلي الدول المجاورة وبالذات إلي كينيا التي لجأ إليها في الأيام الأخيرة فقط أكثر من 35 ألف لاجئ جديد.

وعلي الدول المجاورة الداعمة للصراع في الصومال أن تتذكر أنها هي أيضاً تعاني من التعدد العرقي ومن تعدد القبائل.. وليس أكثر من مشاكل داخلية يمكن أن تنشب في دولة مثل أثيوبيا التي تتعدد أعراقها ولغاتها وقبائلها التي تتحرك داخلها.. وأيضا عبر الحدود.. فمن كان بيته من زجاج لا يقذف الناس بالحجارة وبالمناسبة فأن سياد بري الذي حافظ علي وحدة الصومال -رغم كل ما أدانه- قد مات في اليوم الثاني من يناير عام 1999 عن 76 عاماً في منفاه الاختياري في نيجيريا.

** وكم نتمني أن تتحرك مصر بما بقي لها من نفوذ أو علاقات أو ريادة في أفريقيا لكي تنقذ ما يمكن انقاذه من الصومال الموحد قبل أن تندفع إليه قوات اللئام تحاول تمزيق الجسد الصومالي العزيز، الذي له في قلب كل المصريين مثل ما للسودان من محبة وإعزاز.

النانو تكنولوجي ...... ثورة تكنولوجية جديدة

أيها الأحبة أسمحوا لي في هذة العجالة أن نستعرض معا وبشكل سريع علما تكنولوجي جديد
لا أحد ينكر أن عصرنا هذا هو عصر التكنولوجيا بمختلف أنواعها وتطبيقاتها
ولكن عندما ننظر إلى المستقبل وما يحدث من تطور وأبتكارات متتالية ندرك أننا لسنا في عصر التكنولوجيا بل إن العصر التكنولوجي لا يزال ينتظرنا بالمستقبل
أعتاد الإنسان أن تقتصر الأدوات والآلات على الامتداد الخارجي لبعض أضاء الجسم و وخاصة اليد ، واليوم يسعى العلم إلى الوصول إلى التكنولوجيا الدقيقة التي يمكن إدخالها إلى داخل الجسم البشري
وهو علم تكنولوجي حيث يعرف باسم / النانو تكنولوجي
أي تكنولوجيا الأشياء الدقيقة والمتناهية بالصغر
والنانو : كلمة من أصل يوناني تعني القزم
وعندنا في البلاد العربية وغيرها يطلقون تسمية ( النونو ) على الطفل الحديث الولادة أو الشيء الصغير من باب المبالغة أحياناً وفي الحقيقة لا أعلم هل النونو موجودة أساسا بالعربية أم من الكلمات المهجنة . وأحمل نبض اليراع وفادي ورفيقة البحر وأصائل العرب وغيرهم مسئولية البحث عنها
المهم هنا أن كلمة النانو في حيثنا تعني مقياس طولي وهو جزءاً من البليون وليس المليون كما يعتقد البعض
وأسمحوا لي هنا أن أنتهز هذة الفرصة لأشيد وأذكر بالعالم العربي المسلم المصري الدكتور / أحمد زويل الحائز على جائزة نوبل بإحداثه ثورة علمية غير مسبوقة عجز في رصدها كبار الباحثين والعلماء حيت تمكن من مشاهدة ومتابعة سير التفاعل الكيميائي في مركز أبحاثه بأمريكا والواقع على شارع أحمد زويل _ هل كرم أحد العلماء عندنا بمثل هذا ؟ ومن أطلع على سيرة أحمد زويل يعرف لماذا ترك العرب ومصر وأخذ الجنسية الأمريكية وأستقر هناك _ ووضع لها وحدة قياس لسرعة تسمى : الفمتو ( فمتو / ثانية )
وهو أصغر مقاييس السرعة التي عرفتها البشرية وهو يعد بمعنى أخر إن صح التعبير : الوقت الذي يستغرقه الضوء في الثانية لقطع مسافة تقدر بجزء من مائة جزء من الشعرة ......... إن شاء الله إنها وصلت
ويتهم علم النانو تكنولوجي بدراسة الجسيمات الجزيئية والذرية المتناهية الصغر ، وصناعة الآلات والمواد التي تساعد وتيسر على العلماء والتكنولوجيين إعادة ترتيب و تركيب الجزيئات والمواد ذرة بذرة وجزيئاً بجزيء بمنتهى الدقة ، التي تؤلف اللبنات الأساسية التي تدخل في بناء الطبيعة ، لإنتاج مواد وأشياء جديدة تمام لم تكن موجودة بالأساس .
ويعود الاهتمام بهذا العلم إلى العام 1959 م بفضل العالم الفيزيائي / الأمريكي فاينمان الذي بداء بتوجيه الاهتمام إليه ، إلا إن هذا العلم مرتبط ارتباط وثيق باسم العالم / إريك دركسلر الذي أولاه جهد بليغ وهو الذي أطلق عليه أسم : تكنولوجيا النانو أو علم النانو أو جهاز الخلق والإبداع ) . ورغم ما ظهر عن هذا العلم من كتب ومواضيع بالثمانينات إلا إن الإنسانية تعد في بداية عصر تكنولوجيا النانو ، ولا تزال النظريات وطرق البحث فيه خصبة للغاية ، والتي تجتذب الكثير من العلماء والباحثين ورجال الأعمال والصناعة ، بل اهتمام الحكومات نفسها في دول الغرب واليابان وأستراليا _ وعلى سبيل المثال _ تعتبر الآلات النانوية هي حجر الزاوية في تكنولوجيا القرن الواحد والعشرين لدى الحكومة اليابانية ، حيث تتولى وزارة الصناعة والتجارة تمويل تلك البحوث بسخاء وتعاونت مع الكثير من الشركات والأعمال الخاصة بتطوير هذة التكنولوجيا ذات المردود الاقتصادي الضخم .
وكما يعلم الجميع أن لكل علم جديد مخاوفه و آثاره السلبية منها و الإيجابية ، فقد خصص العالم دركسلر في كتابه الخاص بهذا العلم أجزاء كثيرة منه لعرض المشكلات الاجتماعية التي يحتمل ظهورها أثناء انتشار استخدام هذة التقنية ، كما بلغ من الاهتمام بالجوانب والآثار النفسية والاجتماعية والأخلاقية والقانونية والبيئية _ وإن كان سابقاً لأوانه موضوع الآثار البيئية الآن _ التي سوف تترتب على تطور وتقدم المنجزات في علم النانو تكنولوجي المختلفة أن دعت جامعة رايس بالولايات المتحدة الأمريكية إلى عقد مؤتمر في أكتوبر الماضي لعام 2002 م عن أيام النانو عولجت فيه كثير من المشكلات الاجتماعية والقانونية والتنظيمية التي قد تظهر على السطح أثناء انتشار استخدام تلك التقنية . وهناك العديد من البحوث والندوات والجلسات العلمية بهذا الخصوص يطول الحديث فيها .
والاهم من هذا وذاك إن ثمة مناقشات جادة في حول إذا ما كان الوقت مناسباً للبحث في إمكانية تطبيق اتفاقية جنيف حول تحريم استخدام الأسلحة غير التقليدية على أنواع الأسلحة التي سوف يعتمد إنتاجها على النانو تكنولوجي .

وعذراً على الإطالة ولكن أحببت أن أقدم لكم مقتطفات عن هذا العلم الجديد الذي يتنافس فيه العلم ونحن هنا نراقب تفاحة نيوتن ونتفنن في تلوين قوانينها من طبعة لأخر .......... الدول تتسابق على هذة التقنية وترصد لها الملايين ونحن نتباهى بالسيارات والبشوت
بل هزلت من أمة إن كان حتى الشماغ رمز العروبة - في نظرنا - يصنع في بريطانيا
خسارة العيش في هذة الأمة ، فهذة العلوم لنا من باب الإطلاع والترفيه
هذا إن لم نفغر أمامها أو ننام على عنوانها
أسف بس من شيء في نفسي
تحياتي لكم

الحصاد المر

جمال بدوى
الوفد

سمعت أمس عن »شيء« اسمه البرلمان العربي الانتقالي، احتفل بعيد ميلاده الأول، ولولا الكلمة التي القاها الدكتور فتحي سرور بالنيابة عن الرئيس مبارك، لما عرف الناس أن البرلمان سلخ عاما من عمره المديد، ولم يشعر أحد بأي دور للمجلس خلال المحن والكوارث التي شهدتها أمة العرب علي مدار العام »!!« ** لقد أعلن الرئيس مبارك في كلمته أن حصاد هذا العام كان مريرا، وتفجرت خلاله أزمات في فلسطين والعراق ولبنان والسودان..

وأخيرا الصومال وتزامن الاحتفال بعيد ميلاد البرلمان العربي الانتقالي مع صدور قرار مجلس الأمن بالحيلولة دون صدور قرار بوقف الهجوم الاثيوبي علي الصومال واعلان الولايات المتحدة أنها تؤيد هذا الهجوم »!!«

** وفي الاحتفال: قال عمرو موسي إن حصاد العام كان مؤسفا، فالعراق يجابه تحديا جسيما، والساحة الفلسطينية تشهد صراعا بين أطرافها ينذر بالخطر وبالنسبة للبنان قال انه حاول القيام بسد الثغرات، وتقريب وجهات النظر، ولن يتحقق شيء إلا إذا رفعت القوي الاقليمية والدولية يدها عن الساحة اللبنانية.

** فماذا أفادت أمة العرب من هذا البرلمان؟

لقد اعترف الدكتور سرور بأن الدور المطلوب أكثر قوة من البرلمان ومن الأمة العربية: لتغيير الواقع العربي الأليم. وكلام الدكتور سرور هو ترجمة مهذبة لعدم فاعلية البرلمانات العربية سواء كانت انتقالية أو دائمة، وكانت المحصلة النهائية لدورها هي الفشل الذريع الذي يضاف إلي العجز المزري علي مستوي الانظمة والحكومات العربية، فهذه البرلمانات هي صدي للانظمة، وهي نتاج إرادتها، وليست بأي حال تعبيرا حقيقيا عن إرادة الشعوب العربية.

** إن الكيانات التي تحمل لافتات برلمانية محكومة بما تقرره الحكومات من سياسات ومواقف محسوبة تضع في اعتبارها مواقف القوي الكبري وما ترسمه من مخططات ومحاور تقيد بها الانظمة العربية ولاتستطيع الخروج عليها. وبالتالي فإن البرلمانات العربية مقيدة بالسياسات الرسمية، والبرلمان العربي الانتقالي نموذج لهذا الوضع المتردي، فهو يسبح في مياه راكدة، ويخوض معركة مقضيا عليها بالفشل. وحتي لا نظلمه نقول إنه نسخة من البرلمانات العربية التي تصنعها الانظمة وفق إرادتها، ولاتسمح لها بحرية الحركة، فيحدث الانفلات.. وهو ما تحرص الحكومات العربية علي تلافيه. ومن ثم تزداد الفجوة بين الحكومات والشعوب فتزداد الحكومات عزلة. وتزداد الشعوب كبتا »!!«

السبت، ديسمبر 23، 2006

ضيف أفريقي

جمال بدوي
الوفد

استقبلت مصر في الأسبوع الماضي: رئيس جمهورية »بتسوانا« واسمه »فيستوس جي موجاي«. ومكث الرجل في ضيافتنا الرسمية يومين لم نسمع عنه خلالهما حساً ولا خبراً.. ولم نعرف اسم المسئول الذي كان في استقباله ووداعه بالمطار، كان نصيبه من الإعلام بضعة سطور بثتها وكالة الأنباء الرسمية جاء فيها أن الرئيس مبارك استقبله وبحث معه تطورات الأوضاع الإقليمية والدولية، خاصة القضايا الساخنة علي الساحة الأفريقية،

وتنسيق المواقف بين جمهورية مصر وجمهورية بتسوانا، وتعطفت بعض الصحف فنشرت الخبر أمس علي عمود في ذيل الصفحة الأولي، بينما رأي البعض الآخر أن الخبر لا يستحق الاهتمام فدفعت به الي الصفحات الداخلية(!!).

** ولم يستلفت نظري عقد لقاء مع الضيف الأفريقي علي شاشات التليفزيون لتزداد معلوماتنا عن هذه الدولة الأفريقية الواقعة في جنوب القارة التي تقع مصر علي بابها الشمالي. ولعل هذا الإهمال الإعلامي يبرر الإهمال الذي نلقاه من الإخوة الأفارقة، فهم يعتبرون مصر جزءاً من العالم العربي، أو حوض البحر الأبيض المتوسط، وفي رأيهم أن اهتمام مصر مركز علي الشمال، ولا تتطلع الي القارة إلا عندما تثور مشكلة مياه النيل، وبعدها تلتفت مصر إلي الشمال، وتهمل الجنوب، علي عكس ما تفعل إسرائيل التي تسللت إلي عمق القارة من قبل أن تحصل علي الاستقلال في ستينيات القرن الماضي، وأصبح لها وجود ونفوذ وأصابع في كل ما يدور علي الساحة الأفريقية(!!).

** إن الإهمال الذي لاقاه رئيس جمهورية بتسوانا: ما كان يحدث لو أن الضيف كان من البلاد الأوروبية أو الأمريكية، وكان الموقف سيختلف أكثر وأكثر لو أن الضيف كان ملكاً أو رئيساً علي دولة نفطية، ويبدو أن الدول ـ كما الأفراد ـ حظوظ.. فتقاس الدول بما تملك من أموال أو نفوذ أما الدول الفقيرة فيتعطل سوقها الإعلامي، ولا تجد الاقبال الذي تحظي به الدول الغنية أو المشاغبة(!!).

** ولأنني أعطف دائماً علي الفقراء والمستضعفين: فقد نهضت الي الأطلس أبحث عن موقع »بتسوانا« فوجدتها محاطة بدول ذات أنياب أهمها جمهورية جنوب أفريقيا التي كانت تطمع في جارتها منذ الحكم العنصري، فلما استقلت بتسوانا بدأت تبحث عن أصدقاء في الصين والاتحاد السوفيتي وهي تملك ثروة هائلة من المعادن والأحجار الكريمة، وترقد علي أكبر مناجم الماس، ولذلك تحركت إسرائيل بحكم تخصصها في تصنيع الماس وتجارته في العواصم الأوروبية. وكذلك تملك ثروة حيوانية ضخمة وتسعي الي تصنيعها وتعليبها لولا أنها تعاني من نقص الأيدي العاملة، فعدد سكانها لا يزيد علي مليون نسمة في حين تبلغ مساحتها أكثر من 600 ألف كيلو متر مربع.. هل تكفي هي المعلومات لإثارة اهتمامنا بهذه الدولة الأفريقية الجنوبية(!!).