الجمعة، ديسمبر 29، 2006

الصومال.. ومائدة اللئام!

عباس الطرابيلي

الوفد


وسط الهموم المصرية اليومية والمتجددة.. وأحلام وطنية بدستور أفضل يصبح حكماً لنا بين الدولة والنظام من جهة والأمة كلها من جهة أخري.. لايمكن أن ننسي واجبات مصر الاقليمية، خصوصاً تلك التي تدخل ضمن نطاق الأمن القومي المصري.. حقيقة مصر مشغولة بهمومها في العراق ولبنان وفلسطين.. وعيونها علي مايجري في إيران.. وقلبها ينفطر دماً علي مصير السودان ولكن كل هذا يجب ألا ينسيها مايحدث من مؤامرة كبري في الصومال، التي هي أقدم دولة ترتبط معها مصر بعلاقات حميمة منذ العصر الفرعوني.

وإذا كنا نهتم بالعراق وسوريا علي أنها من خط الدفاع الأول عن حدود مصر الأمنية في الشمال.. فأن الصومال - بلا شك- هي بوابة الأمان الجنوبية في خط الأمن القومي الجنوبي، الذي هو باب المندب، والمدخل الجنوبي للبحر الأحمر، أي القرن الأفريقي.. ثم أيضا لأنها البوابة الاقرب إلي منابع النيل الاثيوبية والسودانية.

** ولا أحد ينكر دور مصر الاقليمي في الصومال حتي قبل أن يستقل اذ كان لمصر مندوبها في اللجنة الدولية التي اشرفت علي توحيد واستقلال الصومال، ولن ننسي شهيدنا هناك كمال الدين صلاح الذي راح ضحية صراع القبائل والمصالح في الصومال قبيل الاستقلال.

ورغم حكم محمد سياد بري الاستبدادي للصومال الا أنه استطاع أن يقود سفينة البلاد في مرحلة »التعريب« والاندماج وسط الاسرة العربية.. وأن يقف في وجه المطامع الاقليمية، خصوصاً من الجارة الكبري أثيوبيا التي احتلت أقليم أوجادين الصومالي منذ أوائل القرن العشرين.. وأن يتصدي لأحلام الاستعماريين القدامي: إيطاليا وبريطانيا وفرنسا.. والاستعماريين الجدد في واشنطون..

** منذ انهار حكم سياد بري في الصومال وهو يعاني من مشاكل عرقية رهيبة وخلافات قبلية أشد رهبة حقيقة هناك دول مجاورة تعاني من مثل هذه الصراعات، إلا أن ضعف القبضة المركزية يشجع أصحاب النعرات الاقليمية علي الانطلاق نحو تحويل البلاد إلي إمارات أو دويلات لمصلحتهم.. وليس لمصلحة الوطن.

ومن المؤكد أن الخلافات المحلية القبلية التي فجرت الحرب الاهلية منذ عام 1991 شجعت أيضاً المطامع الاقليمية، ليس لتثبيت المكاسب التي حصلوا عليها -مثل أثيوبيا- منذ سنوات، ولكن لكي تضيف المزيد من المكاسب علي حساب الشعب الصومالي.

** ونعتقد أنه في الوقت الذي تقرأ فيه هذا المقال -عزيزي القارئ- تكون العاصمة المركزية للصومال قد أصبحت تحت سيطرة القوات الاثيوبية، التي تدعم قوات الحكومة الانتقالية وهذا يحدث للمرة الأولي في تاريخ الصومال المستقل.

وحتي تتضح المطامع الاقليمية والدولية في الصومال نقول أن فشل مشروع القرار القطري في مجلس الأمن بوقف اطلاق النار والدعوة إلي انسحاب القوات الاجنبية من الصومال، يعني الكثير بالنسبة لهذا الوطن الضائع بين مصالح المتصارعين المحليين.. ومطامع الجيران..

** ومع تصاعد العمليات العسكرية يتزايد اندفاع اللاجئين الصوماليين -بحثا عن الأمان- إلي الدول المجاورة وبالذات إلي كينيا التي لجأ إليها في الأيام الأخيرة فقط أكثر من 35 ألف لاجئ جديد.

وعلي الدول المجاورة الداعمة للصراع في الصومال أن تتذكر أنها هي أيضاً تعاني من التعدد العرقي ومن تعدد القبائل.. وليس أكثر من مشاكل داخلية يمكن أن تنشب في دولة مثل أثيوبيا التي تتعدد أعراقها ولغاتها وقبائلها التي تتحرك داخلها.. وأيضا عبر الحدود.. فمن كان بيته من زجاج لا يقذف الناس بالحجارة وبالمناسبة فأن سياد بري الذي حافظ علي وحدة الصومال -رغم كل ما أدانه- قد مات في اليوم الثاني من يناير عام 1999 عن 76 عاماً في منفاه الاختياري في نيجيريا.

** وكم نتمني أن تتحرك مصر بما بقي لها من نفوذ أو علاقات أو ريادة في أفريقيا لكي تنقذ ما يمكن انقاذه من الصومال الموحد قبل أن تندفع إليه قوات اللئام تحاول تمزيق الجسد الصومالي العزيز، الذي له في قلب كل المصريين مثل ما للسودان من محبة وإعزاز.

ليست هناك تعليقات: