الأحد، ديسمبر 31، 2006

ضحية..أم شهيد

عباس الطرابيلي
الوفد



واضح أن أمريكا تريد تصاعد الصراعات والخلافات الطائفية في العراق.. وإلا ما كانت سلمت صدام حسين للعراقيين الشيعة لكي يذبحوه بينما يتم ذبح الأضحية في صبيحة يوم عيد »الأضحي«.. فقد تم تنفيذ الإعدام رغم أن القانون العراقي نفسه، ورغم كل الأعراف والتقاليد، توقف الإعدام في الأعياد.. وكأن أمريكا تريد أن تسكب مزيدا من البترول علي الخلافات العراقية ـ العراقية ـ لتزداد المشاكل اشتعالا..

والإعدام تم غير بعيد عن نهر دجلة الذي شهد الكثير من المآسي في التاريخ العراقي، التي كان أشهرها هجوم التتار علي بغداد واحتلالها وإنهاء عصر أكبر وأقوي دولة إسلامية في التاريخ.. وهو نفس النهر الذي سبح فيه صدام عدة مرات.. إحداها وهو يهرب مطاردا بعد اشتراكه في محاولة اغتيال الرئيس عبدالكريم قاسم عام 1959.. ثم عندما أراد أن يؤكد انه مازال فتيا، وقويا وقادرا علي عبور النهر الذي عاش أحداثا عظاما علي مر تاريخه.

** وما بين مولده في مدينة العوجة غرب بغداد يوم 28 أبريل 1937 وعودته إليها في كفنه يوم 30 ديسمبر 2006 بعد إعدامه في نفس هذا اليوم، فجرا.. عاش صدام حسين حياة غريبة.. فيها الكثير من الهبوط وفيها الكثير من الصعود.. وهو بحق نموذج بللشخصية التي تشارك في كل عمل سياسي، حتي وهو دون العشرين. ومشاركته في الأعمال العنيفة من أجل حزبه وطموحاته عام 59 عندما اشترك في محاولة اغتيال رئيس الجمهورية وحتي وهو لاجيء إلي القاهرة لمدة 4 سنوات شارك في تأسيس الخلايا البعثية في مدرسة الثانوية، وأيضا في كلية الحقوق بجامعة القاهرة.

وحتي بعد أن عاد إلي بغداد لينغمس في السياسة ليل نهار ويشارك في الانقلابات المتعددة إلي أن عاد البعث ليحكم بغداد عام 1968.

** ويبدأ نجم صدام بالصعود إلي الصف الأول باختياره نائبا للرئيس 1969.. ثم جاء يوم 16 يوليو بعد 10 أعوام ليصبح الرجل الأول رئيسا للجمهورية ورئيسا لمجلس قيادة الثورة وأمينا عاما لحزب البعث الحاكم ليصبح هو الحاكم الفرد الذي يسيطر علي كل شيء في العراق.

واللافت للنظر أن الرجل ما هدأ لحظة واحدة، فقد دخل في حروب وصراعات مع كل الجيران، كان أقساها حرب السنوات الثماني بين عامي 80 و1988 مع جارته الشرقية الكبري: إيران وهي التي دمرت كل شيء في العراق ماليا واقتصاديا وعسكريا.. ثم كانت غلطته الأشد فحشا عندما أراد أن يمنح قواته العائدة من الحرب فرصة النهب لكي ينهبوا الكويت بما فيها وما عليها.. وكانت بداية نهايته هو نفسه.

** ولن يعفو التاريخ عن صدام عندما زاد من الخلافات الطائفية بين الشيعة في الجنوب.. والسنة في الوسط وبعض الشمال.. ثم دخل في صراع عرقي مع الأكراد في الشمال.. وبسبب هذه السياسات الطائشة وقفت الشيعة ضده وضد حكمه.. وحتي لحظة إعدامه عندما سمعنا صوتا ـ هو مؤكد من أصوات الشيعة ـ في هذه اللحظة هاتفاً »إلي جهنم«.

وإذا كان بوش ـ الابن ـ قد وصف عملية الإعدام بأنها خطوة هامة علي طريق الديمقراطية.. فانه بذلك كان يشير إلي أن العراق »الجديد« يسير نحو مزيد من الدمار.. لأنه لا السنة يسمحون بأن تمضي عملية الإعدام دون عقاب.. ولا الشيعة سوف يتوقفون عن تأكيد سطوتهم علي العراق..

** ان عملية الإعدام تفوح منها رائحة الطائفية.. وكأن هناك من يصمم علي تأجيج نار الفتنة بين الشيعة والسنة بدليل بداية أعمال العنف السنية ضد الشيعة سواء في مدينتهم الكبري الكوفة أو في أحيائهم السكنية في بغداد نفسها.

وإذا كان صدام قد هتف بحياة فلسطين في الثواني الأخيرة وهو علي عتبة المشنقة.. فكأنما كان يريد أن يزيد المنطقة اشتعالا فالرجل ـ بما كان يملكه من جيش رهيب ـ لم يعط للقضية الفلسطينية حقها.. إلا كلاما.. وإلا عدة صواريخ أطلقها عليها خلال حرب الخليج الثانية.. فهل راح صدام شهيدا؟!

** نعترف أن الرجل له عداوات عديدة.. وقتل وذبح الألوف من شعبه ومن جيرانه.. ولكننا ـ للمرة الثانية ـ نرفض أن يعدم ساعة صلاة العيد.. أو أن يذبح لحظة الضحية الكبري.

** وسيظل صدام مثيرا للجدل لعشرات عديدة من السنين.. وهل مضي بطلا شهيدا.. أم راح ثمنا لما ارتكبت يداه

ليست هناك تعليقات: