الأحد، ديسمبر 31، 2006

<<تعديلات..دستورية <<خطوة تنظيم

بقلم عاطف حزين
المصرى اليوم

من البلاهة أن نهلل للتعديلات الدستورية المزمع إجراؤها في مجلسي الشعب والشوري تلبية لرسالة الرئيس.. ومن الظلم أن نهيل عليها التراب ونعتبرها «ذرًا للرماد في العيون» أو نعتبرها زوبعة في فنجان.
تعالوا نحتكم إلي المنطق والموضوعية، وبعدها سنكتشف أمرين لا سبيل إلي تجاهلهما، الأول أن هذه المواد الدستورية المقترح تعديلها، تصب أولا في خانة النظام الحاكم، وتصب عاشرا ـ إن صبت ـ في خانة المواطن، والثاني أن «القليل» الذي منحه الرئيس في رسالته كثير جدا إذا ما قورن بفترة جمود امتدت لأكثر من ربع قرن، لم تشهد خلاله البلاد أي خطوات تعكس مجرد نيات لتحويل هذا الوطن من حكم شمولي لا يعتمد مبدأ تداول السلطة إلي حكم ديمقراطي يخضع فيه كل شئ لإرادة المواطن.
لكن التعاطي مع السياسة ـ علي رأي إخواننا اللبنانيين ـ مثل التعاطي مع الحب.. فكلاهما لا يعرف ولا يعترف بالشبع والارتواء، ولذلك يري كثيرون أن تعديل تلك المواد الدستورية المعلنة هو مجرد «خطوة تنظيم» وليس خطوة إلي الأمام. والفرق ـ لو تعلمون ـ عظيم. والمأزق ـ الحكومي والشعبي ـ أننا أمام معضلة لا تعترف ولا تحترم «من يرضي بقليله».. وإذا سألت أي مواطن «متنور» عن رأيه في التعديلات المرتقبة سيقول لك: أي كلام لا يمس المادة التي تحدد مدد حكم الرئيس هو «ضحك ع الدقون»، وهذا الرأي هو عين الصواب، فقد كنا نحلم بأن يقوم الرئيس بوضع مستقبل الوطن علي طريق يشبه الطرق التي تسير عليها أغلب شعوب العالم، فالمسألة ليست «توسيع» رقعة من يحق لهم الترشح أمام الرئيس، مادام سقوطهم مضموناً ومدموغاً ومصدقاً عليه، الأهم من ذلك هو تحديد فترات حكم الرئيس، لأن ذلك وحده هو الذي سيفتح باب الأمل أمام مشاركة شعبية في الحكم عن طريق الانتخابات، لا تقل لي إن الديمقراطية والمادة ٧٦ سمحوا لنا بالمفاضلة بين الرئيس مبارك ونعمان ونور والصباحي والأقصري و.. كل رؤساء الأحزاب.
الديمقراطية الحقيقية ستبدأ من محافظات مصر، فقد كنا نتمني أن ينص الدستور المعدل علي أن يصبح منصب المحافظ بالانتخاب مادمت تطالب بتطبيق اللامركزية، لقد بات منصب المحافظ هو وسام تقدير للضباط الأكفاء الذين أنهوا خدمتهم القانونية وباتت المجالس المحلية ديكورات لا تمارس إلا سلطة تسمية الشوارع في المحافظة، كنا نتمني أن ينص الدستورالمعدل علي ضرورة انتخاب نائب لرئيس الجمهورية مع انتخابات رئيس الجمهورية مادام أن النائب سيمارس اختصاصات الرئيس في سفره أو مرضه، كنا نتمني إلغاء وهم الخمسين في المية عمالاً وفلاحين مادمنا لم نعد دولة اشتراكية، ومادام العامل لم يعد عاملاً والفلاح لم يعد فلاحاً.
أحلام كثيرة كانت تراودنا لكنهم أعطوناً شيئاً آخر لغرض في نفس يعقوب، فقد كان من الأوفق إلغاء مجلس الشوري علي اعتباره ترفاً سياسياً لا يتحمله مجتمع مازال يتهجي حروف الديمقراطية، لكننا فوجئنا بإعطاء أدوار تشريعية له من المؤكد أنها ستتسبب في ربكة وازدواجية نحن في غني عنهما، فمنذ إنشاء ذلك المجلس وهو لا ينتج إلا أوراقاً ودراسات لا نستفيد منها تماماً مثل ما يحدث مع المجالس القومية المتخصصة، وأكاديمية البحث العلمي والمركز القومي للبحوث.
ربما يدرك أحفادنا ما نحلم به، ربما يرون تداول السلطات في وطنهم بعدما سمعنا نحن عنه ولم نمارسه، ربما يعيشون الديمقراطية التي تستوعب كل ألوان الطيف السياسي، ربما تتغير طريقة تفكيرهم حين يسود مبدأ أن الذي يختلف مع طريقة حكم ليس شاذاً أو إرهابياً أو متمرداً أو حاقداً، ربما يكون الاختلاف وتعدد الرأي مقدمات لثراء فكري وسياسي لمجتمع يتفاعل مع بعضه بعضاً دون أن تحتكر فئة منا رجاحة التفكير وعبقرية التخطيط ودقة التنفيذ.
هذا الوطن - كما يعلم الرئيس - مليء بالكفاءات والمواهب الفذة التي لا يطلب أحد خدمتها لأنها لا تنتمي إلي الحزب الوطني، وبالتالي ليسوا أعضاء في لجنة السياسات، وبالتالي يبحثون عن مكان آخر يمارسون فيه إنسانيتهم وعبقريتهم ويتركون لنا الحلم بأن نمارس حقوقنا في الشارع والحزب ومحل العمل مثلما نمارسها في بيوتنا.
مع ذلك أجدني ميالاً لأن أختم ما بدأت به ليس للتذكير، ولكن للتقرير: من البلاهة أن نهلل للتعديلات الدستورية المزمع إجراؤها ومن الظلم أن نهيل عليها التراب ونعتبرها ذراً للرماد في العيون، فليس أمامنا إلا انتظار المزيد، ولكن ليس بعد ربع قرن آخر.

ليست هناك تعليقات: