الثلاثاء، يناير 09، 2007

الاغتيال..باسم الدين


عباس الطرابيلى
الوفد

كأن الأستاذ هيكل كان يؤرخ لبدايات الإرهاب السياسي ـ الديني في المنطقة.. وكان ذلك منذ أكثر من نصف قرن، في كتابه الذي نعيد قراءة بعض صفحاته هذه الأيام بمناسبة ما يجري في لبنان، واستخدام المظاهرات أسلوباً للضغط السياسي والشعبي. حقيقة كانت مصر قد عرفت الاغتيال السياسي بمقتل أمين عثمان باشا عام ،1946 ثم مقتل محمود فهمي النقراشي في ديسمبر 1948.. وقبلهما مقتل أحمد باشا ماهر علي 1945..
كما تم قتل حسني الزعيم في دمشق، إلا أن اغتيال الجنرال علي رزم أراه في طهران في مارس 1951 فتح العيون علي القتل باسم الدين أو تحت تأثير زعامات دينية أصبحت لها الكلمة الأولي في الشرق الأوسط.
وإذا كنا نقول إن جمعية فدائيان إسلام هي جمعية إرهابية، إلا أن صلتها الأساسية بدأت من رجال الدين الشيعة.. فقد نشأت في مدينة النجف الأشرف، وهي المركز الشيعي الكبير ليس لإيران وحدها.. ولكن لكل الشيعة في العالم.. وإذا كان صاحب فكرتها هو نواب صفاوي الذي كان اسمه يهز إيران والعالم.. إلا أنها خرجت من رحم الزعيم الديني الشيعي آية الله أبو القاسم كاشاني.
** وكانت أولي جرائم فدائيان إسلام هى اغتيال الصحفي الشهيد كسروي، وكانت تهمته أنه كتب مقالاً في صحيفة إيرانية واعتبر نواب صفاوي المقال يحمل طعناً في الدين الإسلامي، وكان أن دفع حياته ثمناً لما كتب.. وهنا يبرز دور كاشاني.. فقد بارك عملية الاغتيال هذه.. فقد كانت الجمعية تستمد الوحي منه وتنتظر الإرشاد.
وحمل نواب صفوي الصحيفة التي نشرت المقال إلي أحد المجتهدين من أئمة الشيعة، وسأله رأيه فيمن يكتب هذا الكلام.. وقال الإمام المجتهد: كافر.. ويحل قتله.. وكانت هذه الفتوي هي بداية جمعية فدائيان إسلام.
ودون أن ندخل في تفاصيل محاولة اغتيال كسروي ـ كما رواها الأستاذ هيكل ـ يهمنا أن نذكر دور المظاهرات السياسية الإسلامية في العملية كلها.. حقيقة أصيب كسروي في المحاولة الأولي.. ولكنها نجحت في المحاولة الثانية، وداخل قاعة المحكمة، وراح الرجل وفي جسده 12 رصاصة، وراح معه حارسه.
ومرة أخري أعلن كاشاني مباركة قتل كسروي!!
** وفي محاولة للسيطرة علي الأمن ألقت السلطات الإيرانية القبض علي نواب صفاوي وبعض أعوانه.. ووجهت إليهم تهمة قتل كسروي.. ولم تجد العدالة شاهداً واحداً.. إلي أن جاء يوم النطق بالحكم ودخل القضاة قاعة المحكمة فوجدوا زينات غريبة علي مدخل الدار.. وعندما سألوا قيل لهم إنها احتفال بتبرئة نواب صفاوي وزملائه.. ورد القضاة: ولكننا لم نصدر الحكم بعد!! وقيل لهم: إن فدائيان إسلام أعلنت ثقتها في عدالتكم!! وعرف القضاة أن هذه الزينات ممتدة من دار المحكمة إلي بيت آية الله كاشاني.. الذي دعا المتهمين إلي الغداء في بيته احتفالاً ببراءتهم.. ويقول الأستاذ هيكل في كتابه »إيران فوق البركان« الصادر في مايو 1951: »هكذا كأن الأمر قد فرغ منه وانتهي.. وكأن كاشاني هو الذي سيصدر الحكم.. وشاهد القضاة علي باب قاعة المحكمة عدداً من الخراف، وقيل لهم إن كاشاني أمر بأن تذبح ضحية تحت أقدام صفاوي وزملائه بعد خروجهم قبل الظهر من المحكمة!!
** ولم يجد القضاة مفراً ولا مخرجاً.. فنزلوا عند حسن ظن كاشاني وكان حكمهم بالبراءة.
ورغم أن الدولة لم تجد حلاً إلا نفي كاشاني، فإن الرجل ازداد قوة وسحراً..
واختار كاشاني لبنان منفي(!!) ودفع وزير البلاط الإيراني حياته ثمناً لقرار النفي قبل أن يصل كاشاني إلي بيروت!! ووقف القاتل يعلن: اسمي حسين إمامي. وقد قتلت »هجير« وهذا اسم الوزير بأمر من فدائيان إسلام.. وهو نفس ما حدث عندما وقف خليل ههمسي ـ قاتل الجنرال رزم أراه ـ بعد ذلك ليعلن نفس الاعتراف.
** وتصاعدت عمليات الاغتيال السياسي.. وكانت الأداة هي الجمعيات السرية التي انتسبت زوراً إلي الإسلام..
وما أشبه الليلة بالبارحة بين طهران.. والقاهرة.. وبيروت!!

ليست هناك تعليقات: